"وَتَعَيَّنَ ابْنَ اللهِ بِقُوَّةٍ مِنْ جِهَةِ رُوحِ الْقَدَاسَةِ، بِالْقِيَامَةِ مِنَ الأَمْوَاتِ: يَسُوعَ الْمَسِيحِ رَبِّنَا." (رومية 4:1) "أومن... برب واحد يسوع المسيح... الذي من أجلنا تألم، وقُبر، وقام أيضًا." - قانون الإيمان الرسولي
صفحتان في تاريخ حياة المسيح على الأرض – أحدهما في المقدمة والثانية في الختام – قد جعل منهما العصريون، أو المتعاصرون، بابًا للجدل، واتخذوا منهما أساسًا للشك والتأويل: أولاهما ميلاد المسيح من عذراء، والثانية قيامة المسيح بالجسد من القبر.
وغنيٌّ عن البيان، إحاطة هاتين الصفحتين بسحابة من الشك، يرجع أصله إلى التشكك في كل ما هو فوق الطبيعة، وإلى إنكار كل شيء اسمه معجزة، وإلى امتهان كل أمر يُقال له: "إيمان." وفي يقيني إن أسلم طريق لمثل هؤلاء المتعاصرين، هو أن يرفضوا كل شيء اسمه دين، وأن ينكروا تلك الذات العلوية القدسية التي يقال لها الله، ما داموا قد "تدرّعوا" بعلامة استفهام من أمامهم، وتسلحوا بعلامة إنكار وتعجب من خلفهم!
إنهم – وعلى رأسهم رينان الملحد – يدورون في تدليلهم ومنطقهم حول محيط دائرة واحدة ضيقة، مركزها الكبرياء، وقطرها الاعتداد بالذات.
يقول رينان: "إن المعجزة هي أمر لم يحدث، وبما أن القيامة معجزة، فهي إذًا لم تحدث." إن هذا المنطق يستند إلى اعتقاد تركز ورسب في فكر رينان، وهو أن المعجزات تنقض نظام النواميس الطبيعية الراسخة. لكن، ما قول رينان وأترابه في أن القيامة مؤيدة للنواميس الطبيعية، لا مفنّدة لها؟ ما قولهم إذا كان هذا الذي يسمونه نقضًا هو عين البناء؟
إن أحد هذه النواميس الراسخة يقرر "إن أجرة الخطية هي موت." والموت والخطية حقيقتان طبيعيتان لا يمكن للنواميس الطبيعية أن تتغافل عنهما ولا أن تتجاهلهما. فالموت إذًا هو نتيجة طبيعية للخطية. والحياة نتيجة طبيعية للعصمة من الخطية. فمن الطبيعي إذًا أن المسيح الذي أجمعت على عصمته من الخطية شهادات الأعداء قبل الأصدقاء، من الطبيعي أن تختتم حياته وأن تتوَّج بالحياة، بل أن تكون حياته مصدر الحياة. وبما أن الموت قد اختلس لنفسه طريقًا غير طبيعي في حياة المسيح، نتيجة خطية غيره، فكان (الموت) فيها عنصرًا غريبًا، فمن الطبيعي إذًا أن يزول بل يمحى هذا العنصر الغريب بعد أن أماته المسيح بموته، فتكون النصرة النهائية للحياة، بقيامة المسيح من الأموات.
وكما أن أناسًا أمثال لعازر، قاموا من الموت نتيجة تداخل عنصر غريب في حياتهم – هو برُّ غيرهم، ثم عاد بحكم فساد طبيعتهم إلى الموت الذي هم أهل له، كذلك مات المسيح نتيجة تداخل عنصر غريب في حياته – هو خطية غيره، ثم عاد بحكم كمال قداسة طبيعته إلى الحياة التي هو أصل لها. وكل إلى أصله يعود.
* * * * *
أنا أؤمن بقيامة المسيح من الأموات، لأنها هي العلامة المتفوّقة التي بها تتميز المسيحية عن غيرها من الديانات. ومع أنه ليس من الجائز أن نقابل المسيحية بغيرها – لأن المناظر والنظير من مصدر واحد – لكننا نسلم جدلاً بأن بعض ديانات الهنود تحمل في طياتها شعاعًا ضئيلاً من فكرة التجسد، وأن بعض الديانات الأخرى تحوي بصيصًا ضعيفًا من نور الصليب، لكن ديانة واحدة من كل هذه، لم تجسر أن تذكر عن زعيم لها أنه قام من الأموات. فحقيقة القيامة قد غربت شمسها عن كل ديانة غير مسيحية، فهي الحقيقة التي لم ترها عينها، ولم تسمع بها أذنها، ولم تخطر على قلب مبتدعها.
كان الأثينيون عبّاد كل شيء جديد. فجلسوا مرة في أريوس باغوس يستمعون لبولس الرسول. وكانوا يصغون بصبر وأناة وهو يتحدث لهم عن حقائق المسيحية العجيبة. لكن الحقيقة التي أثارت اهتمامهم بنوع خاص، لم تكن ولادة المسيح من عذراء مع أنها عجيبة العجائب، ولا كمال حياته مع أنها معجزة المعجزات، ولا صلبه مع أنه آية الآيات، إنما هي حقيقة قيامة المسيح من الأموات. لذلك يقول لوقا المؤرخ الدقيق: "ولما سمعوا بالقيامة من الأموات كان البعض يستهزئون، والبعض يقولون: "سنسمع منك." (أعمال 32:17-33)
* * * * *
فإذا كانت القيامة قديمًا موضوع سخرية بعض الأثينيين لأنها غربت عنهم، فلم يعثروا على ظل لها في تخيلاتهم، فلا عجب إذا أضحت هي صخرة اليوم التي تحطم عليها إيمان أحفاد أولئك الأثينيين، من المتعاصرين في هذا القرن.
ولما وقف بطرس يوم الخمسين مقنعًا اليهود بعظمة المسيح وسموّ المسيحية، استدلّ على ذلك بقيامة الفادي فقال: "أيها الرجال الإخوة، يسوغ أن يُقال لكم جهارًا عن رئيس الآباء داود إنه مات ودُفن، وقبره عندنا حتى هذا اليوم. فإذ كان نبيًا... سبق فرأى وتكلّم عن قيامة المسيح، أنه لم تترك نفسه في الهاوية ولا رأى جسده فسادًا. فيسوع هذا أقامه الله، ونحن جميعًا شهود لذلك." (أعمال 29:2-32)
من هذا يتّضح لنا أن القيامة هي العلامة المميزة للمسيحية. فإذا ما قامت ديانات أخرى متطاولة بأعناقها لتزاحم المسيحية على عرش العظمة، تفرست السماء في وجه كل منها قائلة: "نعم، هذه فلسفاتك، وهذه نظرياتك، ولكن أين قبرك الفارغ؟"
* * * * *
أومن بقيامة المسيح من الأموات لأنها حقيقة تاريخية تدعمها شهادات مادية محسوسة كثيرة العدد – شهادات متواترة يمسك بعضها برقاب بعض.
فالقبر الفارغ، والحجر المدحرج، والأكفان الموضوعة في مكانها، والأختام المكسورة، وحراب الحراس الرومان خارج القبر، والزلزلة، والفضة التي أخذها الجنود رشوة من شيوخ اليهود – كل هذه سبعة أدلة مادية، تنطق وهي جامدة بأن يسوع المسيح قام بالجسد من الأموات.
وإليك بعض الشهادات الحية: فالملاكان اللذان بشّرا النساء، ومريم المجدلية، وبطرس، وتلميذا عمواس وسائر الرسل ما عدا توما. والأكثر من خمسمئة أخ، ويعقوب. ناهيك عن شهادة توما التي تعتبر في مقدمة الشهادات، لأن توما كان "متدرّعًا" بعدم الإيمان، لكن سهام أنوار القيامة، مزقت درع الشك الذي كان يحمله، إذ قال له الفادي: "يا توما: هات إصبعك إلى هنا ولا تكن غير مؤمن بل مؤمنًا." وللوقت ألقى عنه سلاح نية عدم الإيمان وقال: "ربي وإلهي."
وماذا أقول عن شهادة الطرسوسي شاول الذي كان يجد لذة في اضطهاد يسوع الناصري وتابعيه. لكن قلبه المتحجّر ذاب أمام أنوار شمس المسيح المُقام. فقال وهو مرتعد ومتحيّر: "يا رب، ماذا تريد أن أفعل؟"
أضف إلى كل هذه الشهادات الحية الناطقة، شهادة "السبت المسيحي"، أعني به يوم الأحد. فكما أن اليوم الرابع من يوليو في كل عام يُعتبر أقوى حجة على استقلال أميركا، واليوم الرابع عشر من يوليو هو برهان حرية فرنسا، كذلك يشهد يوم الأحد على مرّ الأجيال بقيامة المسيح من الأموات. لأن الرسل والتلاميذ الأولين كانوا يهودًا. فلو لم يكن المسيح قد قام لما هان عليهم أن يبدّلوا سبتهم المقدس بالأحد المسيحي.
أما الإشاعة التي روّج لها شيوخ اليهود قديمًا بنقودهم ونفوذهم وأوصوا جنود الرومان أن يقولوا "إن تلاميذ المسيح أتوا ليلاً وسرقوا جسده وهم نيام." فهي بدعة تحمِل معها برهان بطلانها. فإذا ما استجوبنا الحراس قائلين: "لماذا لم تلقوا القبض على التلاميذ وأنتم عالمون أنهم مجردون من كل سلاح إلا الحق؟ أجابونا: "كنا نيامًا." فمن أدراكم إذًا يا أيها النيام أن التلاميذ هم الذين سرقوه؟ هل كنتم نيامًا وعيونكم مفتوحة؟
ومن العجب العاجب أن ترى فتى انفتحت عيناه لحظة إلى نور العلم في بلاد الغرب، فاكتفى من بحر العلم "بمصة الوشل"، ثم يفتح شدقيه ويقول: "إن العلوم العصرية تنكر قيامة المسيح بالجسد من الأموات. عجبًا! إذا كانت العلوم العصرية تؤيد القيامة أو تفنّدها فمن قال إن مفاتيح هذه العلوم قد وُضعت في أيدي أمثال هذا الفتى؟ بل ما قول أنصاف المتعلمين في أن أرباب العلم الصحيح يشهدون لصدق القيامة؟
إن العالم الألماني Rudolf Virchow، مبدع علم طبائع الأمراض pathology، ومجدد علم طبائع الإنسان anthropology شهد أمام السير ألكسندر سيمون الإنجليزي – وهو من كبار العلماء المؤمنين بالقيامة أيضًا – قائلاً:
"إنني لا أجد ما يمنعني علميًا من الاعتقاد بقيامة المسيح بالجسد." والدكتور شورت أستاذ الجراحة في إحدى كبريات جامعات إنجلترا، والمعتبر مفخرة الطب الحديث، قد أفرغ شهادته لصحة قيامة المسيح، في كتاب مستفيض يشار إليه بالبنان، وأمثاله كثيرون...
يتبع في العدد القادم