Voice of Preaching the Gospel

vopg

(بقية مقال العدد الماضي لشهر ديسمبر 2019)

شهادة التاريخ المسيحي
تؤكد شهادات الآباء والرسل ومن خلفوهم مباشرة، أن الجميع عبدوا وصلّوا للمسيح الإله منذ البدء، وقبل أي مجمع مسكوني.

لقد فهم الجميع أن كل الإشارات التي تدلّ على إنسانية المسيح تضيف إليه ولا تأخذ منه شيئًا، له المجد. فالنظرية التي تقول إن لاهوت المسيح هو نتيجة صياغات المجامع المسكونية وأوّلها مجمع نيقية الذي انعقد سنة 325 ق. م. لا ترتقي لكي تكون أكثر من حجّة واهية كاذبة يلجأ إليها من يرفض ألوهية المسيح الكاملة، ولا يريد أن يراجع ولو ببساطة ما حدث في التاريخ. ولا بدّ هنا من ذكر بعض المقتطفات القصيرة من موسوعة آباء الكنيسة كعيّنة من إيمان المسيحيين الأوائل قبل مجمع نيقية:
كليمندس (نهاية القرن الأول): كان يستهلّ كتاباته بنصح قرائه أن ينظروا إلى المسيح يسوع باعتباره الله.
أغناطيوس الأنطاكي (نهاية القرن الأول): وردت صيغة الثالوث ثلاث مرات في كتاباته.
يوستينوس: يرى أن المسيح هو علّة العلل وهو التجسُّد الأزلي والمطلق للعقل، وهو الهدف الحقيقي للعبادة.
ترتليانوس: في المسيح توجد الطبيعة الإلهية والطبيعة البشرية، أي اتحاد الإلهي بالبشري.
إكليمندس الإسكندري (القرن الثاني الميلادي): المسيح خالق الكون ومصدر النور والحياة.
أوريجانوس (نهاية القرن الثاني): مساواة الابن بالآب في الجوهر أو الطبيعة.
إذن الإيمان بلاهوت المسيح والثالوث كان عقيدة الكنيسة الأولى، وهذا واقع وحقيقة تاريخية ظهرت نتائجها في مجمع نيقية وليس أكثر.

شخصية الروح القدس
بالإضافة لوجوده مع الآب والابن، وبالإضافة لظهوره معهما وبتمايز عنهما (متى 16:3-17)، يظهر الروح القدس كشخص يُعلّم ويُذكِّر ويبكّت ويشهد... فقد ظهر في دور متميَّز حاملاً الصفات نفسها والألقاب الإلهية عينها. لو لم يكن الروح القدس شخصًا متميّزًا عن المسيح نفسه، ما معنى قول المسيح في إنجيل متى: "ومن قال كلمة على ابن الإنسان يُغفر له، وأما من قال على الروح القدس فلن يُغفر له، لا في هذا العالم ولا في الآتي." (متى 32:12) وما معنى أن المسيح سيرسله من عند الآب لو لم يكن مُتميّزًا عنهما: "وأما المعزّي، الروح القدس، الذي سيرسله الآب باسمي." (يوحنا 26:14) "ومتى جاء المعزّي الذي سأرسله أنا إليكم من الآب، روح الحق، الذي من عند الآب ينبثق، فهو يشهد لي." (يوحنا 26:15) وها إن التميُّز يظهر بوضوح بين الآب والابن والروح القدس وبدون انقسام.
دُعي الروح في الكتاب المقدس بالروح القدس، وروح الله، وروح الرب، وروح الابن، وروح المسيح. ودُعي بوضوح أنه الله (إشعياء 10:63؛ أعمال 4:5؛ 1كورنثوس 16:3؛ 2كورنثوس 16:6).
فإذا جمعنا هذه الحقائق المعلنة كما هي، وكما فعلنا فيما يخصّ المسيح، نصل إلى هذا الإقرار: الآب هو الله، الابن هو الله، الروح القدس هو الله. إنّ جمْعنا لكل الحقائق دون استنساب أو اختيار البعض منها، يُثبت لنا أنهم موجودون في اتحاد متساوٍ مع تميُّز. إن جوهر الخلاف في موضوع الثالوث هو ضرورة الاختيار بين الاعتراف بوجود التعدّدية في الوحدة كما يظهر في الإعلان المكتوب، أو تبنّي ما نجده أفضل وأسهل.
من البداية أعلن الله عن نفسه أنه الإله الواحد. ولا يوجد معه ولا غيره أحد. هو نفسه أرسل الابن في الجسد ليُتمّم الفداء. فأصبح قبول الابن وطاعته جوهر وأساس هذا الإيمان نفسه. ثم إن الابن أرسل الروح القدس من عند الآب ليعمل ويتمجّد في كنيسته (يوحنا 26:15). لا يمكن فصل الاعتراف بهذه الحقائق الثلاث المرتبطة بالأشخاص الثلاثة، أو كما تُسمّى الأقانيم الثلاثة. يدعو جون أون إلى عدم تجاهل هذه السلسلة من الحقائق ويقول: "إن مشيئة الله هي أن يُرفَّع الروح القدس في الكنيسة، وعلى الكنيسة ألاّ تجهل وجود الروح القدس كما فعل تلاميذ يوحنا المعمدان في أفسس (أعمال 2:19). إذن، خطية الاستخفاف بشخص وعمل الروح القدس هي مساوية بشرّها لخطية العبادة الوثنية القديمة، وخطية رفض يسوع المسيح من اليهود."

حتمية الثالوث
لا فاعلية لصفات الله، وبالتالي لوجوده لولا وجود العلاقات الشخصية (التعدّديّة). فالثالوث هو حتمية لأي مسيحية كتابية. إن أفضل تعبير عن هذه الحقيقة ما شرحه الدكتور عماد شحاده في كتابه "الآب والابن والروح القدس إله واحد آمين." إذ يقول: "إن وجود الله سرمديًّا يعني فعالية صفاته سرمديًّا، وهذا يعني وجود علاقة سرمدية، وهذا يعني أيضًا أن هذه العلاقة تحتوي تعددية ضمن وحدانية، وكل ذلك بالضرورة. باختصار، إن فعاليّة الصفات تتطلّب علاقةً، وكمال الصفات يتطلّب وحدانية."

أشدّ معضلة
من دون مفهوم صحيح للثالوث، أي لوحدة ومساواة الآب والابن والروح القدس، كيف نستطيع أن نُكرم الابن كما نُكرم الآب مثلما أوصانا يسوع نفسه في إنجيل يوحنا: "لِكَيْ يُكْرِمَ الْجَمِيعُ الابْنَ كَمَا يُكْرِمُونَ الآبَ. مَنْ لاَ يُكْرِمُ الابْنَ لاَ يُكْرِمُ الآبَ الَّذِي أَرْسَلَهُ." (23:5) فإذا كان مفهوم الثالوث المسيحي التاريخي غير صحيح، فبحسب العهد الجديد على الأقلّ، علينا أن نعبد ربين وإلهين!
أمن المقبول السجود والعبادة لمخلوق؟ وهل يستطيع أي مخلوق أن يرتقي لرتبة إله؟ إن المسيح مفصول بالكامل عن كل المخلوقات، وهو يُعبد لأجل حقيقة طبيعته: "وَكُلُّ خَلِيقَةٍ مِمَّا فِي السَّمَاءِ وَعَلَى الأَرْضِ وَتَحْتَ الأَرْضِ، وَمَا عَلَى الْبَحْرِ، كُلُّ مَا فِيهَا، سَمِعْتُهَا قَائِلَةً: «لِلْجَالِسِ عَلَى الْعَرْشِ وَلِلْخَرُوفِ الْبَرَكَةُ وَالْكَرَامَةُ وَالْمَجْدُ وَالسُّلْطَانُ إِلَى أَبَدِ الآبِدِينَ»." (رؤيا 13:5)
"لِكَيْ تَجْثُوَ بِاسْمِ يَسُوعَ كُلُّ رُكْبَةٍ مِمَّنْ فِي السَّمَاءِ وَمَنْ عَلَى الأَرْضِ وَمَنْ تَحْتَ الأَرْضِ." (فيلبي 10:2)
إن يهوه الرب معقّد في وحدته. هذا الأمر يجب ألا يفاجئنا، إذ حتى قبل التجسّد ظهر الرب كرجل لإبراهيم في سفر التكوين 18 وكلّمه. كان موجودًا مع إبراهيم على الأرض وفي الوقت نفسه كان يجلس على العرش في السماء. الله معقّد في وحدته وهذا ليس بالأمر المستغرب، إذ هو الله ولا يمكن أن يكون إلا كذلك. لو اختار الله أن يبقى بعيدًا عنا لما كنا واجهنا هذه التفاصيل، ذلك لأنها ناتجة عن عمل الفداء والتجسّد ورغبته بأن نراه ونكون في شركة معه. وأكثر ما يُدهشنا هو محبّته التي بسببها نتكلّم عن كل هذا.

الخلاصة
نحن مدعوّون أن نكرز بالإنجيل لا بالثالوث، وبالمسيح المصلوب لا بكيفية وجود ثلاثة أشخاص في كيان إلهي واحد. فلا يستطيع أن يفهم أمور الله إلا من ينقاد بروح الله. من يخلّصنا هو المسيح الفادي ونعمته المعطاة لنا مجانًا، وليس فهمنا وصياغتنا الدقيقة للأمور الإلهية الصعبة. يقول أر سي سبرول عن الموضوع: "إن تعليم الثالوث لا يشرح تمامًا الطبيعة الغامضة لشخص الله، بل بالأحرى يضع الحدود التي يجب ألاّ نتخطّاها، وهو يضع حدودًا لتفكيرنا المحدود. كما أنه يطلب منا أن نكون أمناء بالنسبة للإعلان الإلهي في الكتاب المقدس، بأن الله من ناحية ما "واحد" وبمعنى آخر فهو ثلاثة."
من يخلّصنا هو إلهنا الذي مات بديلاً عنّا على الصليب وحمل قصاص خطايانا. لنتأمّل فيما جاء في إنجيل يوحنا: "وَهذِهِ هِيَ الْحَيَاةُ الأَبَدِيَّةُ: أَنْ يَعْرِفُوكَ أَنْتَ الإِلهَ الْحَقِيقِيَّ وَحْدَكَ وَيَسُوعَ الْمَسِيحَ الَّذِي أَرْسَلْتَهُ." (3:17) هذه المعرفة المخلّصة تتضمن من دون شك معرفة الآب والابن والروح القدس.
صحيح أن ما يخلّصنا هو الإيمان بيسوع المسيح الرب، لا فهمنا لعقيدة الثالوث، إنما لن نستطيع أن نفهم عقيدة الثالوث بالكامل إلا بعد تجديدنا واختبارنا الخلاص. يقول جيرالد براي: "ينتمي موضوع الثالوث لحياة الله الداخليّة، ويُعرف فقط من الذين اشتركوا في هذه الحياة." ويقول جون فريم: "الصليب هو الذي يخوّلنا بأن نشترك في الوحدة والمحبة الموجودَين منذ الأزل بين الآب والابن. الصليب، والقيامة وصعود المسيح هي التي تمنحنا القوة ومعرفة الروح القدس."
يُظهر الكتاب المقدس في عهديه القديم والجديد مفهوم الثالوث، إذ يُعلن عن وجود إله واحد لا آخر سواه في الجوهر والكينونة بثلاثة أشخاص، الآب والابن والروح القدس، هذا كان إعلان ووصية يسوع المسيح نفسه في إنجيل متى: "فَاذْهَبُوا وَتَلْمِذُوا جَمِيعَ الأُمَمِ وَعَمِّدُوهُمْ بِاسْمِ الآب وَالابْنِ وَالرُّوحِ الْقُدُسِ." (19:28) الثالوث ليس تعليم الكنيسة، بل هو تعليم كلمة الله التي يجب أن تكون وحدها دستور وقانون إيمان كل كنيسة.

المجموعة: كانون الثاني (يناير) 2020

logo

دورة مجانية للدروس بالمراسلة

فرصة نادرة تمكنك من دراسة حياة السيد المسيح، ودراسة حياة ورسائل بولس الرسول. عندما تنتهي من هاتين الدراستين تكون قد أكملت دراسة معظم أسفار العهد الجديد. تتألف كل سلسلة من ثلاثين درسًا. تُمنح في نهاية كل منها شهادة خاصة. للمباشرة بالدراسة، أضغط على خانة الاشتراك واملأ البيانات. 

صوت الكرازة بالإنجيل

Voice of Preaching the Gospel
PO Box 15013
Colorado Springs, CO 80935
Email: عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.
Fax & Tel: (719) 574-6075

عدد الزوار حاليا

218 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع

إحصاءات

عدد الزيارات
11576908