"قَالَ لَهُ يَسُوعُ: لأَنَّكَ رَأَيْتَنِي يَا تُومَا آمَنْتَ! طُوبَى لِلَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَرَوْا". (يوحنّا 29:20، اقرأ كل القصّة في الأعداد 26-29)
وكثيرًا ما يتم ظلم الناس عندما يتم وضعهم في قالبٍ أو إطار محدد، وإبقائهم داخل هذا الإطار إلى ما شاء الله. وينطبق هذا الكلام عند الحديث عن شخصية الرسول توما، فمجرّد أن يتم ذكر اسمه حتى يسارع الجميع قائلين: "آه. توما الشكّاك"، فالناس اتّخذوا من الرسول توما مثلًا يطلقونه على بعضهم البعض عندما لا يصدقون أمرًا ما أو يشكّون بخبر أو بشخصٍ أو حتّى بفكرة، ويقولون للشّخص الذي يشك، وقد دلّلوا على صدق كلامهم: صدّق توما.
سبعة أسئلة تساعدنا على معرفة ما حدث مع توما بعد قيامة الرّب يسوع:
نقرأ في الإنجيل بحسب يوحنا 19:20-22، بأن الرّب يسوع قد ظهر للتلاميذ في عشية يوم الأحد الذي قام فيه من الموت. ونعرف أنّه قبل قيامته كانت حالة التلاميذ مؤسفة جدًا، فقد كان الحزن مهيمنًا عليهم أجمعين. ثم سمع التلاميذ من بعض النّسوة أن الرّب يسوع قد قام. كذلك ذهب الرّسولان بطرس ويوحنا إلى القبر، فوجداه فارغًا. أي أن التلاميذ أمضوا نهار يوم الأحد في عليّة صهيون في حالة ارتباك حقيقي، وكَأنَّ لسان حالهم يقول: إن كان الرّب قد قام فعلًا، فلماذا لم يظهر لنا حتى الآن؟
1. لماذا كانت أبواب المكان الذي اجتمع فيه التلاميذ مُحكَمة الإغلاق؟ في عشية يوم الأحد، كان التلاميذ مجتمعين معًا، والأبواب مغلَّقة بشكل جيِّد، وذلك لخوفهم من اليهود، والسبب هو أنّ التلاميذ شاهدوا واختبروا المؤامرة التي حاكها رجال الدين اليهود للقضاء على الرّب يسوع المسيح، وبالتالي كانت لديهم أسبابٌ كافيةٌ للخوف على حياتهم الشخصية. وقد ثبت عمليًّا صدق مخاوف تلاميذ الرّب يسوع، ويقدم لنا سفر أعمال الرسل أدلّةً كثيرةً على محاولات رجال الدّين اليهود القضاء على الكنيسة المسيحية في مهدها.
فقد التلاميذ الأمل، وشعروا بالوحدة والكراهية، لذلك انعزلوا خائفين في غرفة أبوابها محكمة الإغلاق. ثمّ تغير الوضع تمامًا حين "جَاءَ يَسُوعُ وَوَقَفَ فِي الْوَسَطِ وَقَالَ لَهُمْ: سلاَمٌ لَكُمْ". (يوحنا19:20) فَانقَلَبَ الحزن إلى فرح، والخوف إلى شجاعة، وخيبة الأمل إلى رجاء حيّ.
2. لماذا لم يكن توما موجودًا مع بقية التلاميذ؟ لا نعرف سبب تغيّب توما. فهل موت الرّب يسوع أدّى إلى شعوره بالإحباط، فترك التلاميذ لوحدهم، أم أن عالمه انهار وأصبح يائسًا ومحطم الأحلام؟ أم أنّه كان في مهمة شخصية، أو في زيارةٍ لقريب؟ أم كان مختبئًا من اليهود الذين تآمروا على ربه وسيده؟ ومع أن التلاميذ الآخرين أخبروه بأنّهم قد رأوا الرّب، ولكن توما أجابهم بإصرار وعناد: "إِنْ لَمْ أُبْصِرْ فِي يَدَيْهِ أَثَرَ الْمَسَامِيرِ وَأَضَعْ إِصْبِعِي فِي أَثَرِ الْمَسَامِيرِ وَأَضَعْ يَدِي فِي جَنْبِهِ لاَ أُومِنْ." (25:20)
3. لماذا لم يؤمن توما بدايةً بقيامة الرّب يسوع؟ طلب توما دليلًا ماديًّا: أريد أن أرى الرّب يسوع شخصيًّا، وأن أرى أثر المسامير. وأضع إصبعي في هذه الآثار. أي أن توما وضع شروطًا قويّةً ومنطقيّةً وعمليّةً لكي يؤمن بالقيامة. وفي نفس الوقت، كان مستعدًّا للإيمان في حالة رؤيته للحقيقة.
4. ماذا كان موقف التلاميذ من عدم إيمان توما بقيامة الرّب يسوع؟
لا يوجد لدينا جوابٌ لهذا السّؤال، ولكنّ الشيء المؤكد أنّهم لم ينبذوه ولم يتخلوا عنه، ودليل ذلك هو وجوده معهم عند ظهور الرّب يسوع لهم في يوم الأحد الثاني من القيامة. أي أن توما بقي مرافقًا للتلاميذ رغم شكوكه.
لقد احتضن التلاميذ توما، وتابعوا شركتهم معه بالرغم من شَكّه، وأدّى ذلك إلى إيمانه واعترافه التاريخي المجيد عندما قال للرّب يسوع: "ربي وإلهي". لذلك دعونا نحب ونقبل ونحضن ضعافَ الإيمان، مصلين إلى الرّب أن يفتقدهم ويرحمهم ويعلن ذاته لهم.
5. ماذا كان موقف الرّب يسوع المسيح من عدم إيمان توما؟ عرف الرّب يسوع أسئلة توما وشكوكه واستجاب له بشكل كامل، أي أن الرّب لم يخيّب أمل توما. ففي يوم الأحد الثاني للقيامة، كان توما موجودًا مع التلاميذ، وحصل ما انتظره توما لمدة أسبوع كامل "جَاءَ يَسُوعُ وَالأَبْوَابُ مُغَلَّقَةٌ وَوَقَفَ فِي الْوَسَطِ وَقَالَ: سلاَمٌ لَكُمْ" (26:20).
خاطب الرّب يسوع توما معيدًا صياغة نفس الجملة التي نطق بها الرسول: "هَاتِ إِصْبِعَكَ إِلَى هُنَا وَأَبْصِرْ يَدَيَّ وَهَاتِ يَدَكَ وَضَعْهَا فِي جَنْبِي وَلاَ تَكُنْ غَيْرَ مُؤْمِنٍ بَلْ مُؤْمِنًا." (27:20) أي أن الرّب يسوع قد لبّى شروط توما بالكامل.
6. ماذا كان رد فعل توما على كلام الرّب يسوع معه؟
قدم الرّب يسوع للرسول توما فرصة التحقق بنفسه من آثار الآلام والصلب. وقد أسرت كلمات الرّب توما لدرجة مذهلة فأجاب بإيمان وخشوع: "رَبِّي وَإِلَهِي". فلم يعد توما بحاجة لوضع إصبعه في مكان المسامير، وبلحظة عَبَرَ توما من حالة الشك إلى اليقين.
نحتاج اليوم إلى نفس الموقف. فإيمان واختبار أي واحد منا لا ينفع غيره من الناس. كل واحدٍ منا يحتاج إلى سماع ما قاله الرّب لتوما وكأن القول موجَّهٌ له شخصيًا: "لاَ تَكُنْ غَيْرَ مُؤْمِنٍ بَلْ مُؤْمِنًا".
7. ما هو الدرس أو الإعلان الجديد الذي نتعلمه من قصة الرسول توما؟
بعد ذلك قال الرّب يسوع لتوما: "لأَنَّكَ رَأَيْتَنِي يَا تُومَا آمَنْتَ! طُوبَى لِلَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَرَوْا". بهذه الجملة أراد الرّب يسوع أن يُعدّ تلاميذه الأوائل. وكذلك أن يحضر ويهيئ الكنيسة في جميع الأجيال والأماكن والأزمنة، إلى حقيقة ما زلنا نعيشها اليوم، وهي أننا لن نرى الرّب بعيوننا كما رآه التلاميذ، ولكنّنا سنراه بعيون الإيمان. لقد كانت الرؤية الجسديّة بالنسبة لتوما أساسًا للإيمان. أما اليوم فإن الإيمان هو الأساس لرؤية الرّب يسوع.
إننا نظلم توما إذا ما بقينا ندعوه بالشكاك، فهو كان شكاكًا لفترة أسبوع واحد من كل حياته، ولكنه حتى خلال شكه كان مستعدًا لمواجهة الحقيقة والإيمان بها. ولذلك يجب أن نطلق عليه صفة بطل الإيمان، فقوله للرب يسوع: "رَبِّي وَإِلَهِي" أصبح واحدًا من أعظم الأدلة على لاهوت الرّب يسوع المسيح.
إن كلمات الرّب يسوع لنا اليوم، هي ذات الكلمات التي خاطب بها الرسول توما: تعال وأبصر وكن مؤمنًا. فهل تطيع الرّب يسوع اليوم؟ هل تنظر إليه بعيون الإيمان؟
هل تؤمن به مخلصًا وربًا وحيدًا لحياتك؟
هل تصرخ إليه مثلما صرخ توما: رَبِّي وَإِلَهِي؟