"أَسَلامٌ لكِ؟ أَسَلامٌ لزوجِك؟ أَسَلامٌ للولد؟" (2ملوك 26:4)
تضمَّن السؤال الذي سأله أليشع النبي للمرأة الشونمية بواسطة خادمه جيحزي كل نواحي الحياة الإنسانية، فقد تضمّن ناحية السلام الشخصي، وناحية السلام الزوجي، وناحية السلام العائلي،
وحين يستمتع الإنسان بالسلام في هذه النواحي جميعًا، يكون قد بلغ حقًا غاية أمانيه. وسأتناول موضوع هذا السلام المثلّث في ثلاث كلمات:
1- السلام في الحياة الشخصية
"أسَلامٌ لكِ؟" هذا هو أهمّ أنواع السلام، فما لم تستمتع شخصيًّا بالسلام، فيقينًا أنك لن تستطيع أن تعيش مع الآخرين بالسلام.
والسلام الشخصي أساسه التبرير بالإيمان كما يقول بولس الرسول للقديسين في رومية. "فإذ قد تبرّرنا بالإيمان لنا سلام مع الله بربنا يسوع المسيح." (رومية 1:5) وكما يردّد للقديسين في أفسس "فجاء وبشَّركم بسلامٍ، أنتم البعيدين والقريبين." (أفسس 17:2) إن الخطية ثقل على الضمير كما يقول داود: "آثامي قد طمت فوق رأسي. كحمل ثقيل أثقل مما أحتمل."
وطريق التخلّص من هذا الحِمل الثقيل هو أن نضعه على الرب يسوع المسيح كما يؤكد إشعياء في نبوّته "لكن أحزاننا حملها، وأوجاعنا تحمّلها. ونحن حسبناه مصابًا مضروبًا من الله ومذلولاً. وهو مجروحٌ لأجل معاصينا، مسحوقٌ لأجل آثامنا. تأديب سلامنا عليه، وبحبره شُفينا. كلّنا كغنمٍ ضللنا. مِلنا كل واحد إلى طريقه، والرب وضع عليه إثم جميعنا." (إشعياء 4:53-6)
أجل. "لا سلام، قال الرب للأشرار."
لا بدّ أن تقبل المسيح مخلِّصًا، وأن تستند على عمله الكامل لتمتلئ سلامًا.
في الأصحاح السابع من إنجيل لوقا نجد امرأة ذات ماضٍ تدخل إلى بيت سمعان الفريسي... تدخل مثقلة الضمير بالأوزار، تدخل ومعها قارورة طيب. وتأتي من وراء المسيح باكية... وتبلّ قدمَيْه بدموعها، وتمسحهُما بشعر رأسها وتدهنهما بالطيب... ويرى سمعان الفريسي هذا ويتذمّر، كيف يسمح المسيح لامرأة ملوّثة كهذه أن تلمسه، وتكلّم في نفسه قائلاً: "لو كان هذا نبيًّا، لعلم من هذه الامرأة التي تلمسه وما هي! إنها خاطئة." وهنا يعرف فاحص القلوب والكلى ما يدور في نفس سمعان فيقول له: [يا سمعان، عندي شيء أقوله لك.] فقال: [قل يا معلّم.] ويقول المسيح له المجد: "[كَانَ لِمُدَايِنٍ مَدْيُونَانِ. عَلَى الْوَاحِدِ خَمْسُمِئَةِ دِينَارٍ وَعَلَى الآخَرِ خَمْسُونَ. وَإِذْ لَمْ يَكُنْ لَهُمَا مَا يُوفِِيَانِ سَامَحَهُمَا جَمِيعًا. فَقُلْ: أَيُّهُمَا يَكُونُ أَكْثَرَ حُبًّا لَهُ؟» فَأَجَابَ سِمْعَانُ وَقَالَ: «أَظُنُّ الَّذِي سَامَحَهُ بِالأَكْثَرِ». فَقَالَ لَهُ: «بِالصَّوَابِ حَكَمْتَ». ثُمَّ الْتَفَتَ إِلَى الْمَرْأَةِ وَقَالَ لِسِمْعَانَ: «أَتَنْظُرُ هذِهِ الْمَرْأَةَ؟ إِنِّي دَخَلْتُ بَيْتَكَ، وَمَاءً لأَجْلِ رِجْلَيَّ لَمْ تُعْطِ. وَأَمَّا هِيَ فَقَدْ غَسَلَتْ رِجْلَيَّ بِالدُّمُوعِ وَمَسَحَتْهُمَا بِشَعْرِ رَأْسِهَا. قُبْلَةً لَمْ تُقَبِّلْنِي، وَأَمَّا هِيَ فَمُنْذُ دَخَلْتُ لَمْ تَكُفَّ عَنْ تَقْبِيلِ رِجْلَيَّ. بِزَيْتٍ لَمْ تَدْهُنْ رَأْسِي، وَأَمَّا هِيَ فَقَدْ دَهَنَتْ بِالطِّيبِ رِجْلَيَّ.]" وتنتهي القصة الرائعة بكلمات الرب للمرأة: "إيمانكِ قد خلّصكِ. اذهبي بسلام." (لوقا 50:7) فهل تريد أن تنال السلام الشخصي؟
2- السلام في الحياة الزوجية
"أسَلامٌ لزوجِكِ؟" لقد تزعزعت أسس سلام الحياة الزوجية في هذه الأيام، وانقلبت معظم البيوت إلى جحيم، وازدادت في المحاكم قضايا الطلاق. وسبب كل هذا خلو البيت من المسيح.
إن معظم بيوتنا لها "صورة التقوى"، أفرادها يذهبون إلى الكنائس يستمعون للمواعظ، يرنِّمون مع المرنِّمين، ويصلّون مع المصلِّين، ولكنهم غير متجدّدين، تختلف حياتهم في الكنيسة عن حياتهم في البيت، مملوئين من كل إثمٍ، وشرٍّ وطمعٍ، وحسدٍ، وطريق السلام لم يعرفوه.
إن الله يريد لنا بيوتًا مملوءة بالسلام.
"أَسَلام لزوجكِ؟ ... أَسَلام لزوجتكَ؟"
إن سرّ سلام الحياة الزوجية يتركّز في:
أولاً: خضوع المرأة المسيحية لزوجها: "أَيُّهَا النِّسَاءُ اخْضَعْنَ لِرِجَالِكُنَّ كَمَا لِلرَّبِّ، لأَنَّ الرَّجُلَ هُوَ رَأْسُ الْمَرْأَةِ كَمَا أَنَّ الْمَسِيحَ أَيْضًا رَأْسُ الْكَنِيسَةِ..." (أفسس 22:5-23)
إننا نعيش في عصر [دكتاتورية المرأة]، كانوا قبلاً يعيبون على [دكتاتورية الرجل] لكننا اليوم أصبحنا نرى المرأة هي القوة المسيطرة في البيت بشكل ملحوظ.
هل أتاكم خبر ذلك الرجل الذي ذهب إلى السماء فوجد فيها لافتتين: على اللافتة الأولى وجد الكلمات: "هنا يقف الأزواج الذين تسيطر عليهم زوجاتهم"، وعلى اللافتة الثانية وجد الكلمات: "هنا يقف الأزواج الذين يسيطرون على زوجاتهم." ورأى الرجل تحت اللافتة الأولى طابورًا طويلاً من الرجال واقفين. ورأى تحت اللافتة الأخرى رجلاً واحدًا واقفًا.
دُهش الرجل وسأل الرجل الوحيد الذي وقف أمام لافتة المسيطرين على زوجاتهم عن حكايته فردّ الرجل قائلاً: المسألة أن زوجتي أمرتني أن أقف تحت هذه اللافتة، وطلبت مني ألّا أتحرّك من هنا، وقد سمعت لقولها. ولذا فأنا واقف تحت هذه اللافتة... إننا قد نضحك على هذه القصة لكنها تتكرّر في كل بيت... ونحن نحتاج إلى العودة إلى الكتاب المقدس للسير على مثاله لنبني بيوتًا تمتلئ بالسلام. لنستمع إلى صوت بطرس الرسول وهو يقول: "كَذلِكُنَّ أَيَّتُهَا النِّسَاءُ، كُنَّ خَاضِعَاتٍ لِرِجَالِكُنَّ..." (1بطرس 1:3)
ثانيًا: حبّ الرجل المسيحي لزوجته: "أَيُّهَا الرِّجَالُ، أَحِبُّوا نِسَاءَكُمْ كَمَا أَحَبَّّ الْمَسِيحُ أَيْضًا الْكَنِيسَةَ وَأَسْلَمَ نَفْسَهُ لأَجْلِهَا." (أفسس 25:5)
هناك خرافة تنتشر في شرقنا العربي تقول: "إن الرجل الذي يحبّ زوجته أكثر من اللازم تموت زوجته، ولذا فيجب ألّا يحبّ الرجل زوجته." وهذه الخرافة لا أساس لها من الصحة. فأيّ زوج أحبّ زوجته كما أحبّ المسيح الكنيسة وضحّى من أجلها حتى الموت، موت الصليب؟
إن مقياس الحبّ هو "الصليب" ولا يوجد حبٌّ أعظم من هذا: "أيها الرجال، إن أردتم أن تعيشوا في سلام في بيوتكم، أحبّوا نساءكم."
لقد أحبّ إسحاق رفقة وامتلأ بيته بالسلام.
ثالثًا: الاحترام المتبادل بين الزوجين: "وأما أنتم الأفراد، فليحبّ كل واحد امرأته هكذا كنفسه، وأما المرأة فَلتَهَبْ رجلَها." (أفسس 33:5)
في بعض الأسر المسيحية نجد الاحترام الضائع، فالمرأة يلذّ لها أن تتهكّم على زوجها في حضرة ضيوفها، والرجل يستمتع بالاستهزاء بزوجته أمام الآخرين، وبعد أن يخرج الضيوف يبدأ الشجار وتشتعل لهب النار. إن الاحترام المتبادل ضرورة لحياة السلام الزوجي.
3 – السلام في الحياة العائلية
"أَسَلامٌ للولد؟" نعم، دعوني أسألك: "أسلام للولد؟" "أسلام للبنت؟" إن كثيرين من الوالدين انشغلوا بتوفير الماديات لأولادهم وبناتهم، ولكنهم نسوا تمامًا حياتهم الروحية.
إنهم يذكِّرونني بالفتاة المؤمنة التي تزوّجت من شخص ملحد بسبب شكله وغناه، وكانت ثمرة الزواج فتاة رائعة الجمال، أرادت أمها أن تربّيها بتأديب الرب وإنذاره، ولكن أباها أخذها إلى العالم، واشترى لها الفساتين الخليعة... علّمها الرقص... دار بها في الملاهي من كل نوع... وكانت الفتاة تعتقد أن هذه هي الحياة. وفجأة أصابها مرض خطير، ورقدت في السرير واقترب الموت منها بيديه الباردتين... وإذ بوالدها يأتي إلى حجرتها والخوف من فقدانها يملأ قلبه رعبًا وفزعًا، ويفتح دواليبها ويُخرج لها الفساتين الجميلة، ويُلقي لها بمفاتيح سيارتها... ويغمرها بالوفير من ورق النقد... وهو يصرخ: "لا تموتي يا ابنتي، لا تموتي فكلّ هذا لكِ." ولكن الفتاة وهي تقترب من الشاطئ الثاني التفتت إليه وقالت: "أعطيتني كلّ ما يستطيع الأب الغني أن يوفره لابنته، وحرمتني من أن أختبر إيمان أمي... والآن هأنذا أموت بلا سلامٍ، وأذهب إلى قبري بدون المسيح... يا ويلي!"
أسلامٌ للولد؟ هذا هو السؤال الذي سأله داود الملك عن ابنه أبشالوم حين قال: "أسلامٌ للفتى أبشالوم؟"
لا سلام للولد إلا إذا جئت به من طفولته للمسيح. اسمع ماذا يقول بولس لتيموثاوس: "وأنك منذ الطفولية تعرف الكتب المقدسة، القادرة أن تحكِّمك للخلاص، بالإيمان الذي في المسيح يسوع." (2تيموثاوس 15:3) "إذ أتذكّر الإيمان العديمَ الرياء الذي فيك، الذي سكن أوّلاً في جدّتك لوئيس وأمِّك أفنيكي، ولكنّي موقنٌ أنه فيك أيضًا." (2تيموثاوس 5:1) لقد قال الرب بفمه المبارك: "دعوا الأولاد يأتون إليّ ولا تمنعوهم لأن لمثل هؤلاء ملكوت السماوات."
إن كثيرين من الأزواج ينسون أن أولادهم ينظرون إليهم كوحدة، وأنهم حين يتشاجرون معًا يتسبّبون في تحطيم شخصيات أولادهم وتمزيقها... ارحموا أولادكم من أجل المسيح.
قال جاك هايلز الواعظ المعمداني: "لما أنجبت زوجتي طفلتنا الأولى أخذْتها على ذراعي في أول أيام ولادتها وقلت لها: إن المسيح مات من أجلك، وداومت أردّد لها هذه العبارة كل يوم، ولما وصلت إلى مرحلة الفهم شرحت لها معنى موت المسيح، فقبلَته وتجدّدت." فهل جئت بأولادك إلى المسيح؟ أسلامٌ للولد؟ هناك فرق بين السعادة والسلام... فالسعادة إحساس عابر، أما السلام فهو اختبار دائم في قلب المسيحي الذي أعطى قلبه للرب، وامتلأ بالروح القدس.
والآن دعني أسألك عزيزي القارئ: أسلامٌ لك؟ أسلامٌ لزوجك؟ أسلامٌ للولد؟ ليتني أسمع ذات الإجابة التي أجابت بها الشونمية حين قالت: "سلام!"