Voice of Preaching the Gospel

vopg

الدكتور عصام رعدمن خلال قراءتنا لرسالة الرسول بطرس - التي هي كلمة المسيح - والتي كتبها مسوقًا بالروح القدس كما أورد: "بل تكلّم أناسُ الله القدّيسون مسوقين من الروح القدس." (2بطرس 21:1ب)

نجدُ وحدانيةَ موضوع القداسة والحياة الطاهرة مع المحبة. وأشدّد هنا على هذه الأعداد المباركة: "طهّروا نفوسكم في طاعة الحق بالروح للمحبة الأخوية العديمة الرياء، فأحبّوا بعضُكم بعضًا من قلبٍ طاهرٍ بشدّة. مولودينَ ثانيةً، لا من زرعٍ يفنى، بل ممَّا لا يفنى، بكلمة الله الحية الباقية إلى الأبد. لأنَّ: [كل َّجسد كعشب، وكلَّ مجد إنسان كزهر عشب. العشب يبس وزهرُه سقط، وأما كلمة الرب فتثبتُ إلى الأبد.] وهذه هي الكلمة التي بُشِّرتم بها." (1بطرس 22:1-25)

أولا: الطهارةُ وعلاقتُها بالمحبة
فإذا أردتَ أن تمتلئ من المحبة يجب أن يكونَ لديك طهارة، والاثنانِ هما في وحدانية ٍكاملة. كما نودّ أن نركِّز أيضًا على كلمة الله المقدسة الحيّة والباقية إلى الأبد. تُرى لماذا يطلب الله منا أن نكون قدّيسين؟ والجواب هو: "لأني أنا (أي الله) قدوس"، وأنا أيضًا مقدّسُكم. أي، أنَّ هذه هي إرادة الله قداستُنا. نظنُّ - بحسب أفكارنا التقليدية - أنَّ القديسين هم مجموعةٌ من الناس يعيشونَ في صومعةٍ بعيدًا عن البشر، يصومون ويصلّون حتى أنَّ البعضَ منهم اختبر عجائبَ في حياته. لكنْ، هنا يدعو كلَّ أولاد الله الذين وُلدوا من الروح القدس والذي ولدنا ثانية لرجاءٍ حي، واختبروا الولادة الثانية أن يكونوا قديسين. ولا نستطيع نحن الذين صرنا من أولاد الله أن نختبر فيضَ محبتّه وإحسانه، بدون القداسة لأنّه هو محبَّةٌ مقدَّسة وقداسةٌ مُحِبَّة. قال باسكال العالِم الفيزيائي الفرنسي العظيم في القرن السابع عشر هذه المقولة عن الإيمان المسيحي: "لا يوجد إنسان على وجه الأرض لا يتوقُ إلى شيءٍ أعظمَ منه. إمّا إلى إله يعرفهُ بأنَّه صالح وطاهر وقدّوس، أو إلى مجموعة من مبادئ سامية تمثّل المثُل العليا بالنسبة له." نعم، فالله وضَع في قلب كلِّ إنسان رغبةً لشيء أعظمَ منه. لهذا نجده يصارعُ في كل حياته. لماذا؟ لأنَّنا نحن جميعًا بِتْنا نحمل الوبأ الذي انتشر، وبأ الخطية وليس وبأ الكورونا، في داخلنا. وبعد سقوط الإنسان صار لدينا طبيعةٌ خاطئة وفساد كامل. "لأنه من الداخل، من قلوب الناس، تخرج الأفكار الشريرة: زنى، فسق، قتل..." (مرقس 21:7) فهذه الجرثومة دخلت إلى الداخل وحطّمت حياة الإنسان. لهذا يقول الكتاب: "الجميع زاغوا وفسدوا معًا. ليس من يعمل صلاحًا ليس ولا واحد." (رومية 12:3)
والذين يتابعونَ معي أخبار لبنان خاصة في السنة والنصف الأخيرة، نسمع عن شعار الانتفاضة الحاصلة "كلّهم يعني كلّهم"، نعلم أنهم يتكلمون عن الطبقة الحاكمة من السياسيين. أي أنّ كلّهم فاسدون. ويتساءل الناس: ترى مَن نجلِبُ بديلًا؟ هل من سياسي أفضل من هذا أو ذاك؟ بالطبع كلاّ، لأنَّ الكلَّ فاسد - وهنا أستخدم هذا كمثَل للتوضيح ليس إلا - ومشكلة الفساد هي من الداخل لأن طبيعة الإنسان فاسدة. لذا يقول باسكال: "بسبب هذه الطبيعة المبنيَّة على الشراسة والنجاسة من الداخل في قلب الإنسان لا يمكن أن يختبر الإنسان محبة الله ويكون لديه شركة معه لأنَّ هناك نفورًا بين الطبيعتين: طبيعة الإنسان الساقطة وطبيعة الله القدوس." لهذا يقول الكتاب: "اتبعوا السلام مع الجميع، والقداسة التي بدونها لن يرى أحدٌ الرب." (عبرانيين 14:12) نعم، يوجد هوّة عظيمة بين الإنسان الخاطئ الفاسد والإله الطاهر المحبّ. وطبيعة الإنسان من الداخل ليست فقط شهوانية من ناحية النَّجاسة، لكنَّها أيضًا أنانية وعِدائية. أمَّا طبيعة الله فهي كلُّها محبّة وطهارة ونقاء. ولهذا فإنَّ هناك صراعًا دائمًا. من أجل ذلك أرسل الله ابنَ محبّته، كلمته الأزلي، الذي صار جسدًا بشخص المسيح وأضحى الجسرَ بيننا وبين الله القدوس. لاحظ ماذا يقول: "الذي أحبَّنا، وقد غسَّلنا من خطايانا بدمه، وجعلنا ملوكًا وكهنة لله أبيه." (رؤيا 5:1ب) نعم، مات لأجلنا وغسّلنا بدمه بموته على الصليب وهناك يطهّر كلَّ واحد منا. لهذا صرخ النبي داود في القديم وقال: "قلبًا نقيًّا اخلُقْ فيَّ يا الله، وروحًا مستقيمًا جدِّد في داخلي." (مزمور 10:51) ويقول الكتاب أيضًا: "وأعطيكم قلبًا جديدًا، وأجعل روحًا جديدة في داخلكم." (حزقيال 26:36) هل تعلم ما هو هذا القلب الجديد والروح الجديدة؟ إنها طبيعةُ المسيح وروح المسيح. الروح الذي يحلُّ فيك بعد أن يطهّرَك ويغسلَك. ألم يقل داود بعد أن أخطأ: "اغسلنْي فأبيضَّ أكثر من الثلج؟" (مزمور 51) هكذا أنا وأنت لا يمكن أن نختبر محبة الله دون أن نغتسل. أي أن نطلب من المسيح أن يطهِّر قلوبنا من الداخل وهو سيزرع فينا روح القداسة، الروح القدس الذي يقودك وتفرح بحياة مقدسة معه. هذه أكثر من نظريات... وهذه القداسة لا يمكن أن تحفظَها إلا بالطاعة. وكما نوَّهنا سابقًا بالإشارةً إلى ترابط القداسة والطاعة والمسؤولية الشخصية.
انظر حولك في العالم فستجدَ أنَّ الناس الذين يعيشون في النجاسة والدعارة والزنى يتوقّعون أن الناس المسؤولين عنهم يعيشون في مستوى لائق من الطهارة والأخلاقيات والنزاهة. أليس كذلك؟ النزاهة على الصعيد الجنسي والأخلاقي... والناس الذين يلومون حاكم ولاية نيويورك (كومو) الآن بسبب قضايا التحرّش الجنسي المرفوعة ضدّه ويطالبونه بالاستقالة بسببها، هل هم أفضلُ منه يا ترى؟ كلاّ بالطبع. لكنّهم يتوقَّعون أن يكون المسؤولون ذوو المناصب الرفيعة على قدْرٍ من الخلُق والأخلاق. لماذا الملامةُ على كلينتون وترامب؟ هل الذين يشتكون عليهم هم أطهار؟ كلاّ. وهنا نجد ازدواجيةً في المواقف. فالإنسان نفسُه يحاول أن يستعيضَ عن واقعه بعد أن يكتشف واقع نفسه أنَّه لا يقدر أن يعيش على هذا المستوى من القداسة إلا بنعمة المسيح بالولادة الثانية وبالطاعة لكلمة المسيح ولروح المسيح الساكن فيه. لكن هل تعلم كيف يمكن للإنسان أن يعوِّض أحيانًا عن حالته؟ يقوم إمّا بالتظاهر أي بالتَّمثيل على أنَّه شخصٌ عفيف، مثل السياسيين المبدعين في قضية النزاهة، لكنك سرعان ما تكتشف قبائحهم وأكاذيبهم. أو عندما يتديَّن الإنسان من الخارج فيصحُّ فيه ما قاله المسيح عن الفريسيين: "... لأنكم تشبهون قبورًا مبيّضة تظهر من خارجٍ جميلة، وهي من داخل مملوءة عظام أموات وكلّ نجاسة." (متى 27:23) هذه هي حالة الناس المتدينّين بدون اختبار عمل نعمة المسيح في تغيير القلب وتطهيره.
فالحياة المقدسة يا أخي تبدأ بالفكر، وبالقلب، وبالنوايا. هناك عمل نعمة المسيح في المؤمن الحقيقي، إذ يطلب في كل يوم أن يمتلئ من الروح القدس ليستمرَّ في الطاعة. ويريد الروح أن يرفعك إلى السماويات فلا تعيش أو تتصرف بفعل غرائزك كالحيوانات، كلاَّ. "لأنَّ كلَّ الذين ينقادون بروح الله، فأولئك هم أبناء الله." (رومية 14:8) وهذا لا يحصل فقط حين يزرع فيك الله قلبًا جديدًا وطبيعةً جديدةً وروحًا مقدّسة، بل أيضًا عن طريق الطاعة بفكرك أولًا، إذ يقول: "هادمين ظنونًا وكلَّ عُلوٍ يرتفع ضدّ معرفة الله، ومستأسرين كلَّ فكر إلى طاعة المسيح." (2كورنثوس 5:10) فالإنسان الطبيعي لا يستطيع أن يطيع بعقله وينتصر بفكره بنفسه، لكن المؤمن الحقيقي يستطيع بالرغم من التجارب. فإذا ما داهمته أفكار شهوانية، يستطيع أن يرفضها. لأنه بالروح الساكن فيكم تميتون أعمال الجسد وأفكار الجسد. إذن الطاعة بفكرك أولًا، إذ يقول: "لا تشاكلوا شهواتكم السابقة في جهالتكم." (1بطرس 14:1)

وثانيًا بسلوكك وبكلامك
ألا يقول: "لا تخرج كلمة رديّة من أفواهكم." (أفسس 29:4أ) وأيضًا: "اهربوا من الزنا؟" (1كورنثوس 18:6أ) فلا تعرّض نفسك لمواقف حرجة وفي أمكنة خطأ. ولا تنظر إلى مشاهدَ لا تليق بك فتكون النتيجة ممارسات خاطئة. "لم تقاوموا بعد حتى الدم مجاهدين ضد الخطية." (عبرانيين 4:12) بل "البسوا الرب يسوع، ولا تصنعوا تدبيرًا للجسد لأجل الشهوات." (رومية 14:13) وهذا ضروري جدًا. "اجتهدوا لكي توجدوا عنده بلا دنس ولا عيب، في سلام." (2 بطرس 14:3) ولا شك أنَّ الرب سيمنحك القوة التي تمكِّنك من السير في طريق القداسة. كثيرون يأتون إلى الرب لكي يحصلوا على ما يريدون من عطايا واستجابة لصلواتهم. هذا لن يحصل إذا لم تولد ثانيةً وما لم تعشْ حياة القداسة؛ وبالتالي لا تستطيع أن تختبر محبة الله. وهؤلاء هم مثل شخص يحب أن يحلّق في السماء. فأتى أبوه الحنون الثّري وأهداه طائرة. لكن عليه أن يُطيع أولًا ويتبع قوانين الطيران ويخضع للمسار الذي تسير عليه الطائرة، وينبغي أن تكون لديه بطاقة سفر وأن يخضع لقوانين القبطان. فإذا كانت الطائرة مسافرة إلى نيويورك مثلًا، لا يمكنه أن يطلب من القبطان أن تعرّجَ في طريقها إلى لبنان! هكذا أيضًا في السماويات، عليك أخي المؤمن أن تتَّحد بعمل النعمة مع القبطان الأعلى، وتذهب بنفس اتجاهه حتى تحلّقَ معه. وأيضًا أن تتبنَّى موقف الطاعة وترفض الأفكار الشريرة وهذا يمنحك فرحًا ونصرة في حياتك. وإيَّاك بالتظاهر والتمثيل.
قال نزار قباني الشاعر المعروف بعد حرب 1967 وتنطبق المقولة اليوم أيضًا على بلادنا، وعلى الزيف الروحي الذي يمارسه البعض ما يلي: "احترق المسرح وما زال الممثّلون يمثّلون. وهذا بالضبط ما حصل في لبنان. فلقد احترق البلد وكل ٌّيتكلم عن الإصلاح وهم أكبر الفاسدين. فارجع إلى الرب الذي منحك قدرته الإلهية العظيمة إذ يقول في (2بطرس 3:1) "كما أنَّ قدرته الإلهية قد وهبت لنا كل ما هو للحياة والتقوى،" لمقاومة الجراثيم والفيروسات إذ أعطاك اللقاح. لكن عليك أن تحرص - إلى أن يصير لديك مناعة اجتماعية - عليك وضع الكمامة حتى لو كنت أخذت اللقاح. بالطبع هذا مجرد إيضاح. فاحترز بالتصرّف.
— يتبع

المجموعة: أيلول (سبتمبر) 2021

logo

دورة مجانية للدروس بالمراسلة

فرصة نادرة تمكنك من دراسة حياة السيد المسيح، ودراسة حياة ورسائل بولس الرسول. عندما تنتهي من هاتين الدراستين تكون قد أكملت دراسة معظم أسفار العهد الجديد. تتألف كل سلسلة من ثلاثين درسًا. تُمنح في نهاية كل منها شهادة خاصة. للمباشرة بالدراسة، أضغط على خانة الاشتراك واملأ البيانات. 

صوت الكرازة بالإنجيل

Voice of Preaching the Gospel
PO Box 15013
Colorado Springs, CO 80935
Email: عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.
Fax & Tel: (719) 574-6075

عدد الزوار حاليا

120 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع

إحصاءات

عدد الزيارات
10632244