Voice of Preaching the Gospel

vopg

أثناء صعود الرّب يسوع مع تلاميذه من أريحا إلى أورشليم، أخبرهم بالضبط ماذا سيحدث له كالقبض عليه، والاستهزاء به، وشتمه، والبصق عليه، وجلده، وقتله مصلوبًا ثم قيامته في اليوم الثالث.

ولم تكن هذه هي المرة الأولى التي يخبر فيها الرّب يسوع تلاميذه عمّا سيحدث له، بل سبق وتحدّث عنها مرارًا كثيرة. ولكن رغم وضوح كلامه، إلّا أنهم لم يفهموا.
نقرأ في لوقا 31:18-34 "وَأَخَذَ الاثْنَيْ عَشَرَ وَقَالَ لَهُمْ: هَا نَحْنُ صَاعِدُونَ إِلَى أُورُشَلِيمَ، وَسَيَتِمُّّ كُلُّ مَا هُوَ مَكْتُوبٌ بِالأَنْبِيَاءِ عَنِ ابْنِ الإِنْسَانِ، لأَنَّهُ يُسَلَّمُ إِلَى الأُمَمِ، وَيُُسْتَهْزَأُ بِهِ، وَيُُشْتَمُ وَيُتْفَلُ عَلَيْهِ، وَيَجْلِدُونَهُ، وَيَقْتُلُونَهُ، وَفِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ يَقُومُ. وَأَمَّا هُمْ فَلَمْ يَفْهَمُوا مِنْ ذلِكَ شَيْئًًا، وَكَانَ هذَا الأَمْرُ مُخْفىً عَنْهُمْ، وَلَمْ يَعْلَمُوا مَا قِيلَ."
ونقرأ أيضًا في لوقا 43:9-45 "فَبُهِتَ الْجَمِيعُ مِنْ عَظَمَةِ اللهِ، وَإِذْ كَانَ الْجَمِيعُ يَتَعَجَّبُونَ مِنْ كُلِّ مَا فَعَلَ يَسُوعُ قَالَ لِتَلاَمِيذِهِ: "ضَعُوا أَنْتُمْ هَذَا الْكَلاَمَ فِي آذَانِكُمْ: إِنَّ ابْنَ الإِنْسَانِ سَوْفَ يُسَلَّمُ إِلَى أَيْدِي النّاس". وَأَمَّا هُمْ فَلَمْ يَفْهَمُوا هَذَا الْقَوْلَ وَكَانَ مُخْفىً عَنْهُمْ لِكَيْ لاَ يَفْهَمُوهُ وَخَافُوا أَنْ يَسْأَلُوهُ عَنْ هَذَا الْقَوْلِ"، ما قاله الرّب هنا كان في السنة الأولى من خدمته العلنية في منطقة الجليل، ولم يفهم التّلاميذ ما الذي كان يتكلم عنه الرّب.
كذلك لم يفهم التّلاميذ كلمات الرّب يسوع ليهوذا أن يعمل ما يريده بسرعة في يوحنا 27:13-28 "مَا أَنْتَ تَعْمَلُهُ فَاعْمَلْهُ بِأَكْثَرِ سُرْعَةٍ. وَأَمَّا هَذَا فَلَمْ يَفْهَمْ أَحَدٌ مِنَ الْمُتَّكِئِينَ لِمَاذَا كَلَّمَهُ بِه." ولم يفهم بطرس الرّسول كلمات الرّب يسوع في متى 21:16-23 عندما تنبأ عن موته، حيث قال بطرس للرّب يسوع: "حاشاك يا رب، لا يكون لك هذا." بعد أن أعرب بطرس عن اعتراضه لموت الرّب على الصّليب، قال الرّب يسوع لبطرس: "اذْهَبْ عَنِّي يَا شَيْطَانُ. أَنْتَ مَعْثَرَةٌ لِي لأَنَّكَ لاَ تَهْتَمُّ بِمَا لِلَّهِ لَكِنْ بِمَا لِلنَّاسِ." إن قول الرّب يسوع لبطرس يتضمّن نفس الكلمات التي سبق للرب وأن قالها للشيطان مباشرة عندما جرّبه في متى 10:4 "اذْهَبْ يَا شَيْطَانُ! لأَنَّهُ مَكْتُوبٌ: لِلرَّبِّ إِلَهِكَ تَسْجُدُ وَإِيَّاهُ وَحْدَهُ تَعْبُدُ." لقد أطلّ العدوّ القديم، أي الشيطان، بصورة تلميذ مقرّب ومحبوب وهو بطرس، وهذه أخطر محاولات عدوّ النفوس لتدمير عمل الله من الداخل. لذلك دعونا نتأمل في ثلاثة أسئلة تثيرها هذه الحقيقة:

أولًا: لماذا لم يفهم التّلاميذ ما قاله الرّب يسوع؟
توجد ثلاث إجابات أساسيّة للرّد على هذا السؤال:
1) لم يكن لدى التّلاميذ استعدادٌ كافٍ لأن يتعلموا. لقد كانوا كالأطفال الصغار. فمع أن الرّب يسوع أخبرهم بالضّبط ماذا سيحدث معه، ولكن ما قاله لم يجد طريقه إلى عقولهم. لقد كانوا في مرحلة مبكرة روحيًا، وكان لا بدّ لهم أن يختبروا القيامة والعنصرة وحلول الرّوح القدس لكي ينضجوا ويستوعبوا حقيقة الصّليب.
2) كان الصّليب سرًّا عظيمًا لم يفهمه التّلاميذ، ولم يفهمه أيضًا عدوّ النّفوس: نقرأ في 1كورنثوس 6:2-8 "نَتَكَلَّّمُ بِحِكْمَةٍ اللهِ فِي سِرٍّّ: الْحِكْمَةِ الْمَكْتُومَةِ، الَّتِي سَبَقَ اللهُ فَعَيَّنَهَا قَبْلَ الدُّهُورِ لِمَجْدِنَا، الَّتِي لَمْ يَعْلَمْهَا أَحَدٌ مِنْ عُظَمَاءِ هَذَا الدَّهْرِ، لأَنْ لَوْ عَرَفُوا لَمَا صَلَبُوا رَبَّ الْمَجْدِ." عظماء هذا الدهر تعود للوالي الروماني بيلاطس، والملك هيرودس، ورئيس الكهنة قيافا، وأعضاء مجلس السنهدريم، وضباط الجيش الروماني، كل هؤلاء لم يعرفوا هوية وحقيقة شخص الرّب يسوع، لأنهم لو عرفوا الحقيقة لما صلبوه.
نلاحظ هنا أن بولس الرّسول قد استخدم كلمة "سرّ" في حديثه عن صلب الرّب يسوع. وكلمة "سرّ" في الأصل اليوناني هي μυστήριον (مستيريون)، وهي نفس الكلمة التي كانت تُستخدم عند وضع خطة إستراتيجية سرّية للحرب، فالعدوّ يتربّص، وعلى قائد المعركة ألّا يكشف خطة القتال لأحد حتى لا يكتشفها الأعداء ويعملوا بالتالي على إفشال الخطة.
لقد كان الصّليب سرًّا عظيمًا لم يفهمه عدو النفوس إبليس، فقد ظن أنه سيقضي على الرّب يسوع في موته على الصّليب، ولم يعلم ولم يفهم كيف أن الصّليب هو في الواقع سرّ الانتصار على الخطية والموت وإبليس. ولكنّه بعد ثلاثة أيام أدرك فشله الفظيع: فلقد نفّذ إبليس بالضّبط خطة الله دون علمه. لقد تسبّب في موت ربّ المجد مما أدّى إلى فداء وخلاص الخطاة. كتب بولس الرّسول، بوحيٍ من الله، في 1كورنثوس 23:1-24 "وَلَكِنَّنَا نَحْنُ نَكْرِزُ بِالْمَسِيحِ مَصْلُوبًا: لِلْيَهُودِ عَثْرَةً وَلِلْيُونَانِيِّينَ جَهَالَةً! وَأَمَّا لِلْمَدْعُوِّينَ: يَهُودًا وَيُونَانِيِّينَ فَبِالْمَسِيحِ قُوَّةِ اللهِ وَحِكْمَةِ اللهِ." نجد هنا أن كرازة وتبشير بولس كانت بالمسيح المصلوب. وكانت هذه الرسالة عثرة لليهود وجهالة لليونانيين. وهنا سؤالان مهمان:

لماذا كان الصّليب عثرة لليهود؟
الجواب ببساطة هو لأنهم اخترعوا من مخيّلتهم مسيحًا عسكريًّا مقاتلًا وجبارًا ليقودهم في تأسيس مملكة أرضية، لا مسيحًا محبًّا وفاديًا ومخلِّصًا يعطيهم ملكوتًا سماويًا.

ولماذا كان الصّليب جهالة لليونانيين؟
الجواب سهل لمن يعرف عن الفكر اليوناني القديم. كان الصّليب رمزًا للعبودية والضعف والموتِ والهوان، وليس رمز حكمة ومجد.

3. سبب ثالث هو أن التّلاميذ اهتموا بوضع الرّب يسوع الشخصي والأرضي، وظنّوا أنه بصدد إنشاء مملكة أرضيَّة يحصلون من خلالها على امتيازات كثيرة. حتى بعد القيامة سألوه متى تردّ المُلك لإسرائيل، وذلك بعد أن كان لمدة 40 يومًا بعد القيامة يحدّثهم عن ملكوت الله. (انظر أعمال الرّسل 3:1، 6).

ثانيًا: هل نفهم حقًا خطة وفكر الله؟
نقرأ في 1كورنثوس 18:1 "فَإِنَّ كَلِمَةَ الصّليب عِنْدَ الْهَالِكِينَ جَهَالَةٌ وَأَمَّا عِنْدَنَا نَحْنُ الْمُخَلَّصِينَ فَهِيَ قُوَّةُ اللهِ". كثيرون اليوم يعيشون في ظلمة روحية؛ يجدّفون على الصّليب والمصلوب، وينكرون الصّليب غير عالمين أنه الطريق الوحيد لخلاصهم.
بعد قيامة الرّب يسوع فُتِحت أعين التّلاميذ، وبدأوا يدركون سرّ كل ما حدث مع الرّب، وأصبح لكلماته التي قالها قبل الصلب معنى واضحًا في عقولهم. وفهموا التعليم الذي كان يمرّ فوق رؤوسهم دون أن تدركه عقولهم.
كثيرون اليوم يطلقون على أنفسهم لقب "مسيحيين"، ولكنهم لا يدركون نهائيًا معنى الصّليب وحتى لو آمنوا به كحدث تاريخي. لذلك نراهم يشدّدون على الأعمال الصالحة، والاعتراف للكهنة، وعلى التقاليد والطقوس، وكل الأمور الشكلية الأخرى من أجل الحصول على رضى الله عليهم، غير مدركين أنّه يوجد في الصّليب كل الشبع والحب والخلاص والفداء.
عندما يعمل الرّوح القدس في قلب الإنسان، يتّضح السرّ أمامه ويدرك أن رسالة الصّليب خاصة به شخصيًا، ويطلب بالتالي الرّب يسوع مخلصًا وسيدًا على حياته. والصّليب الذي كان بالنسبة للخاطئ مصدر عثرة وضعف وانهزام، يصبح فجأة مصدر قوة وافتخار.
في الصّليب لدينا قوة لغفران الخطايا والخلاص والفداء التام والتبرير.
في الصّليب لدينا قوة لعلاج العلاقات الزوجية المدمّرة.
في الصّليب لدينا قوة لعلاج القلوب الحزينة.
في الصّليب لدينا قوة لتجميع الأسر من جديد.
في الصّليب لدينا قوة للمصالحة بين المتحاربين والأعداء.
في الصّليب لدينا قوة للتغلب على الوحدة والألم.

ثالثًا: هل نفهم حقًا كل ما يتعلّق بالصّليب؟
هنالك أمورٌ لن نفهمها أبدًا قبل انتقالنا لنكون في السماء مع الرّب يسوع. لن نفهم وندرك أبدًا مقدار الألم والوجع الذي احتمله الرّب يسوع المسيح على الصّليب. ولن نستطيع أن نفهم ما اختبره الرّب يسوع من وحدة قاتلة على الصّليب. ولن ندرك ألم ووجع صرخته من على الصّليب: "إلهي، إلهي! لماذا تركتني؟" لن نفهم أو نستوعب كما يجب، عمق وغنى وعظمة وحكمة ومحبة الله. ولن نفهم كيف أن دم الرّب يسوع المسيح يطهّر كل مؤمن من كل خطية. ولكن سيأتي يوم تنفتح فيه العيون لنفهم عمق هذا السر المجيد.
ولكن من المهم بالنّسبة لنا في هذا العالم أن نفهم الحقيقة الأساسية والرائعة، وهي أن الله يحبنا بالرغم من خطايانا. وأنه توجد طريق واحدة وذبيحة واحدة لكي نخلص بها من خطايانا، وهذه الطريق هي طريق صليب الرّب يسوع المسيح الذي مات من أجلي ومن أجلكم.
هذا ما يهمّنا الآن: أن نتوب حقًا ونقبل الرّب يسوع مخلصًا شخصيًا لحياتنا، وننال بالتالي جميع وعود الله لنا. وعد غفران الخطايا والخلاص والتبرير، ووعد الامتلاء من الرّوح القدس، ووعد الحياة الأبدية. آمين.

المجموعة: حزيران (يونيو) 2022

logo

دورة مجانية للدروس بالمراسلة

فرصة نادرة تمكنك من دراسة حياة السيد المسيح، ودراسة حياة ورسائل بولس الرسول. عندما تنتهي من هاتين الدراستين تكون قد أكملت دراسة معظم أسفار العهد الجديد. تتألف كل سلسلة من ثلاثين درسًا. تُمنح في نهاية كل منها شهادة خاصة. للمباشرة بالدراسة، أضغط على خانة الاشتراك واملأ البيانات. 

صوت الكرازة بالإنجيل

Voice of Preaching the Gospel
PO Box 15013
Colorado Springs, CO 80935
Email: عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.
Fax & Tel: (719) 574-6075

عدد الزوار حاليا

197 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع

إحصاءات

عدد الزيارات
10623766