Voice of Preaching the Gospel

vopg

"هوذا أنا أمة الرب. ليكن لي كقولك."
مع مرور أكثر من ۲۰۰۰ سنة على ولادة المسيح من العذراء المطوّبة،

- إذ يحتفل المسيحيون في كل سنة بولادة المخلّص والفادي - ومع أنه في كل سنة نقرأ الكثير من التأمّلات الجميلة عن الميلاد، ونسمع العظات الكثيرة عن هذا الميلاد العجيب، إلاّ أن الميلاد الحقيقي لا يفقد قيمته عند أولئك الذين قدّموا قلوبهم وحياتهم للمسيح ليملك عليها.
وهل من هديّة نقدّمها الآن في القرن الحادي والعشرين لمولود بيت لحم أعزّ وأجلّ وأغلى من هدية قبولنا وخضوعنا له وهو حيٌّ الآن ليملك بالمحبة على القلب والحياة؟! لا أظن!

إن الملاك جبرائيل الذي أرسله الله إلى العذراء مريم ليعلن لها خطة الميلاد والفداء والخلاص... لم يذهب من عندها قبل أن يأخذ منها إقرارًا بالقبول والخضوع. فبعد الشرح والإجابة عن أسئلة العذراء، كان الملاك جبرائيل ينتظر من العذراء هذا التصريح: "هوذا أنا أمة الرب. ليكن لي كقولك..." ليعلم أن مهمة من أرسله قد نجحت وأن من اختارها الله لتحمل وتنفِّذ هذه المهمة في حدودها البشريّة قد قبلت وخضعت لترتيب الله، فيقول الكتاب: "فمضى من عندها الملاك".
إن قبول الإنسان لترتيب الله وخضوعه لمشيئته هو جلُّ ما يريده الله من الإنسان ويُسَرُّ به. وصل داود إلى هذه الحقيقة بعدما أخطأ وسعى ليطلب رضى الله ومسرَّته من جديد، فنقرأ في مزمور 16:51-17 "لأَنَّكَ لاَ تُسَرُّ بِذَبِيحَةٍ وَإِلاَّ فَكُنْتُ أُقَدِّمُهَا. بِمُحْرَقَةٍ لاَ تَرْضَى. ذَبَائِحُ اللهِ هِيَ رُوحٌ مُنْكَسِرَةٌ. الْقَلْبُ الْمُنْكَسِرُ وَالْمُنْسَحِقُ يَا اَللهُ لاَ تَحْتَقِرُهُ." لذلك، فإن قبولنا لخطة الله ومشيئته لحياتنا، وخضوعنا لتفاصيل هذه الخطة التي سنختبرها تباعًا يومًا بعد الآخر، هما المفتاح لسرور الله ورضاه، وأيضًا هما المفتاح لتنهمر بركات الله السماويّة فيتمتّع بها الإنسان.
من مقابلة الملاك جبرائيل مع العذراء مريم، نتعلّم كيف نقبل خطة الله ونخضع لمشيئته في أربع ملاحظات:

1- جسامة المهمّة
عندما علمت القديسة العذراء مريم بجسامة المهمّة التي أعلنها الملاك قبلت وخضعت لترتيب الله. وعندما قال لها الملاك أنها ستحبل وتلد ابنًا وتسمّيه [يسوع]، سألت: "كيف يكون هذا وأنا لست أعرف رجلًا؟" إن موضوع حبلها بهذه الطريقة فيه خطورة كبيرة، ومن تداعيّاتها أن أهلها ومجتمعها سوف ينبذونها، وخطيبها سيتركها، وربما سيرجمها الناس. لكنها رغم جسامة المهمة قبلت وخضعت.

2- عدم الاستيعاب
يبدو أن مريم العذراء لم تستوعب القصد الإلهي النهائي لكنها قبلت وخضعت لترتيب الله وحكمته. فبعدما سألت سؤالها الاستفساري، أجابها الملاك: "اَلرُّوحُ الْقُدُسُ يَحِلُّ عَلَيْكِ، وَقُوَّةُ الْعَلِيِّ تُظَلِّلُكِ، فَلِذلِكَ أَيْضًا الْقُدُّوسُ الْمَوْلُودُ مِنْكِ يُدْعَى ابْنَ اللهِ." كما أنها لم تستوعب القصد الإلهي بأن يسوع ينبغي أن يولد "بلا خطيّة" فيُدعى القدُّوس المولود منها "ابن الله"، ويقوم بعمل الفداء. لكنها قبلت وخضعت رغم عدم فهمها الكامل لما سيصنعه الله في حياتها.

3- الخوف من المستقبل
رغم خوف العذراء من المستقبل وما سيحمله من تحدّيات إلا أنها قبلت خطة الله وخضعت لمشيئته. إن سؤالها "كيف يكون هذا؟" لا يدلّ فقط على أنها كانت تعي جسامة المهمّة، بل جسّدت أيضًا خوفها من المستقبل.

4- الاعتماد على قدرة الله
رغم كل ما سبق، علمت العذراء أمرًا واحدًا رسّخ الاطمئنان في نفسها وشجّعها على القبول والخضوع هو أنها اعتمدت على قدرة الله في تنفيذ مشيئته وخطته، و"يعلم الرب أن ينقذ الأتقياء". فالملاك طيَّبَ قلب العذراء بأنها ليست وحيدة في اعتمادها على الله، وإن كانت مهمتها أصعب، فأعلن لها أن أليصابات العجوز التي كانت عاقرًا كل حياتها وفقدت كل أمل بإنجاب الأولاد، هي أيضًا حُبلى بابنٍ في شيخوختها. والقاسم المشترك بين العذراء وأليصابات هو "ليس شيءٌ غيرَ ممكنٍ لدى الله." فاستجابت العذراء لاختيار الله فقالت للملاك: "هوذا أنا أمة الرب، ليكن لي كقولك."
وأخيرًا، أوجّه كلمة لكل من يقرأ هذه الكلمات أو يسمعها:

أولًا، إن قبول المؤمن للإرسالية العظمى التي دعانا إليها المسيح قبل صعوده ليست سهلةً، بل مهمّة جسيمة يحملها في حياته وكلامه وسلوكه، وأيضًا في سريرته. فيمكن أن تواجهنا ضيقات وأزمات واضطهادات بسبب هذه المهمّة. لكن يبقى السؤال: هل نقبل الإرسالية ونخضع لمشيئة الله؟

ثانيًا: من الممكن جدًّا أن لا نفهم ولا نستوعب جيّدًا قصد الله وخطته، لكن عامل الإيمان بحكمةِ الله ومحبّتِه لنا هو المطمئن لقلوبنا. فالله يعمل الكل لخيرنا وبركتنا الروحيين، وتتميم مشيئته في الأرض. يقول الله للإنسان في إشعياء 8:55-9 "لأَنَّ أَفْكَارِي لَيْسَتْ أَفْكَارَكُمْ، وَلاَ طُرُقُكُمْ طُرُقِي، يَقُولُ الرَّبُّ. لأَنَّهُ كَمَا عَلَتِ السَّمَاوَاتُ عَنِ الأَرْضِ، هكَذَا عَلَتْ طُرُقِي عَنْ طُرُقِكُمْ وَأَفْكَارِي عَنْ أَفْكَارِكُمْ." وجواب الله لعدم استيعابنا، "اُطْلُبُوا الرَّبَّ مَا دَامَ يُوجَدُ. ادْعُوهُ وَهُوَ قَرِيبٌ."

ثالثًا: رغم خوفنا من المستقبل وما تخبّئه الأيام لنا، الله يعلم ويرى قبولنا وخضوعنا بالإيمان له. والكتاب يؤكّد أن "كل من يؤمن
به لا يخزى." الله تمّم مشيئته في الماضي، وهو يقود حاضرنا، وأيضًا يمسك بمستقبل أولاده بمحبته وحكمته العجيبة. والرب يطمئننا على لسان إشعياء النبي ۲٦:٤۰ "لِكَثْرَةِ الْقُوَّةِ وَكَوْنِهِ شَدِيدَ الْقُدْرَةِ لاَ يُفْقَدُ أَحَدٌ." ثم يستطرد الرب ليقول في إشعياء 10:41 "لاَ تَخَفْ لأَنِّي مَعَكَ. لاَ تَتَلَفَّتْ لأَنِّي إِلهُكَ. قَدْ أَيَّدْتُكَ وَأَعَنْتُكَ وَعَضَدْتُكَ بِيَمِينِ بِرِّي."
رابعًا: في أي قرار نتّخذه، أو خدمة نقوم بها، أو تغيير في حياتنا لنعلم أننا بحاجة للاعتماد كلِّيًّا على قدرة الله فينا. لأن الله "يُعْطِي الْمُعْيِيَ قُدْرَةً، وَلِعَدِيمِ الْقُوَّةِ يُكَثِّرُ شِدَّةً. اَلْغِلْمَانُ يُعْيُونَ وَيَتْعَبُونَ، وَالْفِتْيَانُ يَتَعَثَّرُونَ تَعَثُّرًا. وَأَمَّا مُنْتَظِرُو الرَّبِّ فَيُجَدِّدُونَ قُوَّةً. يَرْفَعُونَ أَجْنِحَةً كَالنُّسُورِ. يَرْكُضُونَ وَلاَ يَتْعَبُونَ. يَمْشُونَ وَلاَ يُعْيُونَ."

وكلّ عام وأنتم بخير

 

المجموعة: كانون الأول (ديسمبر) 2022

logo

دورة مجانية للدروس بالمراسلة

فرصة نادرة تمكنك من دراسة حياة السيد المسيح، ودراسة حياة ورسائل بولس الرسول. عندما تنتهي من هاتين الدراستين تكون قد أكملت دراسة معظم أسفار العهد الجديد. تتألف كل سلسلة من ثلاثين درسًا. تُمنح في نهاية كل منها شهادة خاصة. للمباشرة بالدراسة، أضغط على خانة الاشتراك واملأ البيانات. 

صوت الكرازة بالإنجيل

Voice of Preaching the Gospel
PO Box 15013
Colorado Springs, CO 80935
Email: عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.
Fax & Tel: (719) 574-6075

عدد الزوار حاليا

508 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع

إحصاءات

عدد الزيارات
11577659