يُروى عن شارلس فني أنه بينما كان يلقي عظة في إحدى القاعات الكبرى دنا منه رجل تبدو عليه إمارات الشر والإجرام وقال له:
"أريدك أن تصحبني بعد انتهاء العظة." وفي نهاية الاجتماع نصح بعض المؤمنين الواعظ بألّا يرافق هذا القاتل الأثيم... أما فني فبعد تفكير قليل عزم على مرافقة الرجل إلى حيث يريد وطلب منهم أن يصلّوا من أجله.
خرج الرجلان معًا يشقّان طريقهما بين الأزقّة الضيّقة في ظلام الليل الدامس حتى وصلا أخيرًا إلى باب أحد المنازل فتقدّم الرجل وفتح الباب وأدخل المستر فني وأقفل خلفه. وبعد أن أشعل الرجل المصباح نظر المستر فني حوله فذُهِل إذ رأى عددًا كبيرًا من الأسلحة المتنوّعة من بنادق ومسدّسات منثورة في قاعة الغرفة. فقال الرجل بصوت متهدّج:
"يا مستر فني لقد سمعتك في هذه الليلة تفيض بالكلام عن دم يسوع المسيح وعن خلاصه وقد كان لكلامك وقع مؤثر في نفسي، فإليك قصتي:
"إنني من أشدّ المجرمين خطرًا في هذه المقاطعة، وبهذا المسدّس الذي تراه في يدي قتلت أربعة أشخاص، وبتلك البندقية الملقاة على مقربة منك أوديت بأرواح كثيرين أيضًا، فهل تظنّ بعد هذا أن دم يسوع المسيح يستطيع أن يخلّص مجرمًا سفّاحًا نظيري؟"
نظر إليه المستر فني وأجابه قائلاً: "إني أقول لك كما ورد في كلمة الله حرفيًّا:
[إن اعترفنا بخطايانا فهو أمين وعادل أن يغفر خطايانا ويطهرنا من كل إثم.] (يوحنا 9:1) هذا هو وعد الله الحق." ولكن الرجل عاد وقال:
"يا مستر فني، إني لم أطلعك على كل شيء بعد، ولكن انظرْ." فأخرج من جيبه أوراق اللعب ورماها إلى الأرض وقال: "إني مقامر ماهر، وكم من المرات جرى قتال عنيف في أرض هذه الغرفة وقد قُتل كثيرون من اللاعبين فيها فلست بقاتل أثيم فقط بل قاتل ومقامر خطير أيضًا. وهل لا تزال مصرًّا على رأيك أن في دم يسوع قدرة لتطهيري؟"
أجابه المستر فني: "يا صديق، إن الواجب المُلقى عليّ هو أن أبشّر بصحة إنجيل المسيح ولا يهمني أية خطايا قد اقترفت، ولكن إن اعترفت بخطاياك وتركتها تُرحَم لأنه مكتوب: "ودم يسوع المسيح ابنه يطهّرنا من كلِّ خطية."
فأطرق الرجل برهة وعاد يقول:
"لم أقف عند هذا الحدّ من أعمالي الشريرة يا مستر فني بعد... إذ لم أنتهِ من التصريح بكل شيء. انظر إلى هذه الغرفة التي نحن فيها... إنها كانت مكانًا لبيع المسكرات والمخدرات المخالفة للقانون، وعلاوة على ذلك سلبت مبلغًا من المال من رجل فقير معوز وكانت عائلته تتضوّر جوعًا... ورأيت أولاده يسيرون فوق الثلوج حفاة وعراة ولم يحرّك كل ذلك في قلبي أدنى شفقة أو عاطفة. ألا تزال تعتقد أن الله سيصفح عن كل ذلك؟"
فأجابه المبشّر قائلاً:
"اسمع يا صاح، لي السلطان من الله أن أبشّرك بهذه البشارة:
"إن سلكنا في النور كما هو في النور، فلنا شركة بعضنا مع بعض ودم يسوع المسيح ابنه يطهّرنا من كل خطية." (1يوحنا 7:1)
ولكن الرجل قاطعه قائلاً: "ليس هذا فحسب يا سيدي، بل لي زوجة لن ترَ مني إلا وجهًا عبوسًا ومعاملة قاسية، ولم تحظَ مني حين رجوعها إلى البيت إلا بركلة بطرف رجلي، ولي ابنة كذلك لم تذق قبلة أبويّة منذ أن وُلدَت... ولي دار جميلة، ولكن مع كل ذلك أنا قاتل، ومقامر، وسالب، وضرّاب، وأب متوحّش، فقل لي الصدق يا مستر فني، أيسامحني الله على كل ذلك؟"
تحيّر مستر فني من حالة هذا الرجل وقال: "لقد صوّرت أمامي أتعس حياة سمعت بها، ولكن اسمع ما يقوله الله:
[هلمّ نتحاجج يقول الرب: إن كانت خطاياكم كالقرمز تبيضّ كالثلج، وإن كانت حمراء كالدوديّ تصير كالصوف.]
فإذا اعترفتَ وتركتَ خطاياك فأنا أؤمن بأن الله سيصفح عنك، وأنا واثق من قولي لأن ذلك قول الله."
عندئذ أعطى الرجل عنوانه للمستر فني ودعاه إلى تناول الغذاء معه في اليوم التالي، وبعد أن شيّعه إلى الباب ابتدأ الرجل في تصفية حساباته فأحرق أوراق اللعب والأسلحة، وبراميل المشروبات، وأرجع كل ما سلبه حتى أصبح فقيرًا لا يملك شيئًا، وسلّم حياته للمخلّص منذ تلك الليلة... ولم ترَ عينه نومًا في تلك الليلة إذ كان منهمكًا في ذلك العمل الشاق، وفي الصباح عاد إلى بيته وجلس على طرف سريره إلى أن جاءت إليه ابنته لتدعوه إلى تناول الفطور كالمعتاد فبادرها بقوله:
"يا عزيزتي، أخبري والدتك أنني لا أكون معكم في هذا الصباح."
فأسرعت الطفلة مهرولة لأمها قائلة: "إن أبي خاطبني بلهجة لطيفة خلافًا للعادة بقوله [يا عزيزتي]." فأرسلتها ثانية وثالثة وأخيرًا ذهبت بنفسها لتجتلي ذلك الأمر، فوجدت الطفلة جالسة في حضن والدها وكان يلاطفها ويداعبها بكلّ حنوّ... فلمح الرجل زوجته فدعاها إلى الاقتراب منه وقال لها:
[لن تكوني فيما بعد زوجة رجل غني يا عزيزتي."
وأما هي فكانت مبتهجة بهذا التغيير العجيب الذي طرأ على حياة زوجها قائلة:
[إن رجوعك عن الأعمال الشريرة لهو أفضل لي من غنى العالم بأسره.]
وأخيرًا انكبّ على وجهه بانكسار قلب قائلًا لها: "سامحيني يا عزيزتي، سامحيني، لقد كنت أسيء إليك في كل يوم من أيام حياتي."
كان ذلك اليوم هو أول يوم تُقام فيه صلاة عائلية في ذلك البيت... وهكذا عملت قوة دم الرب يسوع المسيح على تغيير حياة رجل شرير وجلبت سعادة وهناء إلى ذلك البيت.