Voice of Preaching the Gospel

vopg

الفصل الثامن والخمسون من سفر إشعياء هو فصلٌ مميَّزٌ جدًّا لأنَّه يعكسُ قلبَ الرّبّ وفؤادَه من نحوِ أولاده.

فرغبةُ الرّب هي أن يباركَ شعبَه. والوعدُ الذي نقرأه هنا "يُشْبِعُ في الجُدوبِ نفسَك وينشِّطُ عظامَك فتصيرُ كجنَّةٍ ريَّا وكنبعِ مياهٍ لا تنقطعُ مياهُه." في هذا العدد 11، يعكِس الربُّ فيه رغبتَه في استخدام أولاده رجالًا ونساءً. بعض الكنائس اليوم - التي تتكلَّم بالنَّاعماتِ فقط – تستخدم هذه الوعود الواردة في هذا الفصل في مواعظها. لكنَّ هذا الفصلَ ذا الوعود الإلهية المميَّزة، هو مقرونٌ بمعادلة أي بشروط. بمعنى، إنْ أطعتَ ترى بركةَ الرب تنسكب عليك. أي مقرونٌ بالطاعة أولًا.
يقول النبي: "نادِ بصوتٍ عالٍ. لا تُمسِكْ. ارفعْ صوتَك كبوقٍ وأخبِرْ شعبي بتعدِّيهم، وبيتَ يعقوب بخطاياهم. وإيَّايَ يطلبون يومًا فيومًا، ويُسَرّون بمعرفةِ طرُقي كأمَّةٍ عمِلَتْ بِرًّا، ولم تتركْ قضاءَ إلهِها. يسألونَني عن أحكام البرِّ يُسرُّون بالتقرُّب إلى الله. يقولون: لماذا صُمْنا ولم تنظرْ، ذلَّلنا أنفسَنا ولم تلاحظْ؟ ها إنَّكم في يومِ صومِكم تُوجِدونَ مسرَّةً، وبكل أشغالِكم تُسخِّرون. ها إنَّكم للخصومةِ والنِّزاع تصومون، وَلِتضْربوا بلَكْمةِ الشر. لستمْ تصومونَ كما اليوم لتسميعِ صوتِكم في العَلاء. أَمِثلُ هذا يكونُ صومٌ أختارُه؟ يومًا يذلِّلُ الإنسانُ فيه نفسَه، يُحني كالأَسَلَةِ رأسَه، ويفرُشُ تحته مِسْحًا ورمادًا. هل تُسمّي هذا صومًا ويومًا مقبولًا للرّب؟ أليسَ هذا صومًا أختاره: حَلَّ قيودِ الشر. فَكَّ عُقَدِ النِّير، وإطلاقَ المسحوقينَ أحرارًا، وقطْعَ كلِّ نِير. أليسَ أن تكسِرَ للجائع خبزَك، وأن تُدْخِلَ المساكينَ التَّائهينَ إلى بيتكَ؟ إذا رأيتَ عُريانًا أن تكسوه، وأنْ لا تتغاضَى عن لحمِكَ.
"حينئذٍ ينفجرُ مثلَ الصُّبح نورُكَ، وتَنبُتُ صحّتُك سريعًا، ويسيرُ برُّكَ أمامَك، ومجدُ الربِّ يجمعُ ساقتَكَ. حينئذٍ تدعو فيُجيبُ الرب. تستغيثُ فيقول: هأنَذا. إنْ نزَعْتَ من وسَطِكَ النِّير والإيماءَ بالأصبُعِ وكلامَ الإثم وأنفقْتَ نفسَكَ للجائعِ، وأشبَعْتَ النفسَ الذَّليلة، يُشرقُ في الظُّلمة نورُكَ، ويكونُ ظلامُكَ الدامسُ مثلَ الظُّهْر. ويقودُكَ الربُّ على الدَّوام ويُشبعُ في الجُدوبِ نفسَكَ، وينُشِّطُ عظامَكَ فتصيرُ كجنَّة ريَّا وكنبعِ مياهٍ لا تنقطعُ مياهُه. ومنكَ تُبنى الخِرَبُ القديمةُ. تُقيمُ أساساتِ دَوْرٍ فَدَوْرٍ، فيُسمُّونَكَ: مُرَمِّمَ الثَّغرةِ، مُرْجِعَ المسالكِ للسُّكنى. إنْ ردَدْتَ عن السبتِ رجلَكَ، عن عملِ مَسَرَّتِكَ يومَ قُدْسي، ودَعوْتَ السبتَ لذَّةً، ومُقَدَّسَ الربِّ مُكرَّمًا، وأكرمْتَهُ عن عملِ طرُقِكَ وعن إيجادِ مسرَّتك والتكلُّم بكلامكَ، فإنَّكَ حينئذٍ تتلذَّذ بالرَّب، وأُرَكِّبُكَ على مرتفعاتِ الأرض، وأُطعِمُكَ ميراثَ يعقوبَ أبيك، لأنَّ فمَ الربِّ تكلَّم."
فعلًا ما أحلى هذه الكلمات. فلِكي تصبحَ كجنَّةٍ ريَّا وكنبعِ مياهٍ لا تنقطعُ مياهُه، عليكَ أن تلاحظَ معي الوصفةَ الطبّيَّةَ الرّوحيَّةَ التي يقدِّمُها الربُّ لنا. وهي:

أولًا: ارفضْ ديانةَ الفريسيين
فالديانةُ الظَّاهرة المتمثِّلة بالفرائض والطقوس والواجبات الدينية كالصّوم والصَّلاة والصَّدقَة، دون توبةٍ حقيقيّة في القلب، ودون وجودٍ لحياةٍ متغيِّرة مثمرة في الداخل، تبقى عديمةَ التأثير وغيرَ نافعة. يتساءل الشعب في القديم وهم مستغربون: لماذا صُمنا ولم تنظُر، ذلَّلنا أنفسَنا ولم تلاحِظْ؟ فيجيب الرب على لسان نبيِّه ليقول: ها إنَّكم في يوم صومِكم توجِدونَ مَسرّة، وبكل أشغالِكم تُسخِّرون. ها إنَّكم للخصومةِ والنّزاع تصومون، ولِتضربوا بلكمَة الشر. لستم تصومون كما اليوم لتسميع صوتكم في العلاء." ويعود الربُّ ليذكّرهم فيقول: "هذا الشعبُّ قد اقتربَ إليَّ بفمه. وأكرَمني بشفتيه، وأمَّا قلبُه فأبعدَهُ عني، وصارتْ مخافتُهم منِّي وصيةَ الناس معلَّمةً." (13:29) هذه هي المشكلة مع المتدينّين وحتى مع الشخص المسيحي المتديِّن بدون تغير في حالة القلب وإصلاحه. لأنه يقوم بأداءِ الفرائض كلّهاـ ويطبِّق الوصايا لكنَّ قلبَه مبتعدٌ عن الرّبّ. لذا فهو يعيشُ هذه التمثيليّة. ولهذا حذَّر الربُّ يسوع تلاميذَه من خمير الفريسيين أي (الرّياء). فالمتديِّن يَظهر للناس من الخارج بشيء أما من الداخل فهو شيءٌ آخر بالكلّيّة. أي يقوم بدور التمثيل. لهذا وصفَهم الرب يسوع إذ قال: "ويلٌ لكم أيها الكتبةُ والفريسيون المراؤون لأنّكم تُشبهون قبورًا مبيَّضةً تَظهرُ من خارج جميلةً وهي من داخل مملوءةٌ عظامَ أموات وكلَّ نجاسة. هكذا أنتم أيضًا من خارج تَظهرون للناس أبرارًا، ولكنَّكم من داخل مشحونون رياءً وإثمًا." (متى 27:23-28) نعم، هذه هي حالةُ الإنسان المتديِّن الذي لم يختبرْ نعمةَ المسيح، وكذلك حالةُ بعض المؤمنين للأسف السالكين بحسب الجسد وليس بحسب روح المسيح.
يقول سي إس لويس C S Lewis اللاهوتي البريطاني الشهير بأنَّ هناك ثلاث شخصيَّات في كلِّ إنسان: الشخصيةُ الأولى هي التي يقدّمها للناس ويرونَها فيه، والثانية كما يراها هو، والثالثة كما يراها الله (فاحصُ القلب ومختبِرُ الكِلى). لكنْ في حياة المؤمن الحقيقي المملوء من روح الله القدوس والذي يُقاد بروح المسيح، هذه الثلاثة يجب أن تكونَ واحدة. وما يراهُ الناس هو ما يعبِّر بالحق عن داخلِك وهو ما يراه الله أيضًا فيك. وهكذا يكون المؤمن منسجمًا مع ذاتِه. ليتنا نكون شفَّافين وليت حياتَنا تكون واضحةً فلا نعيشُ الحياة المزدوجة التي نمثِّل فيها دورًا لا يعكس ما بداخلنا ولا يمتُّ إلينا بصلة. وهذا بالضبط ما يدعو إليه الكتاب المقدس أن نرفض ديانة الفريسيين وأن نتبع إيمان الرب يسوع. هل تعلم ماذا قال غاندي القائد الهندي الكبير للبريطانيين المُستعمِرين: "خذوا مسيحيَّتَكم وأعطوني مسيحَكم. ولولا المسيحيون (أي بالاسم فقط) لصرْتُ أنا مسيحيًّا." يا حبَّذا لو يعطينا الرب أن نعيش المحبّة الحقّة التي هي بلا رياء "المحبَّة فلْتكنْ بلا رياء" (رومية 9:12) وكذلك القداسة النابعة من القلب.
قام الممثّل الإنكليزي روبرت باول Robert Powell بتمثيل دور المسيح بشكل هائل في فيلم (يسوع الناصري) الذي كان من أنجح الأفلام، ولكنَّه كان إنسانًا عاديًا يعيش في الخطية. فلا تكنْ كالفريسيّين والمرائين كما وصفهم الرب في متى 27:23 "ويل لكم أيها الكتبة والفريسيّون المراؤون! لأنكم تشبهون قبورًا مبيَّضة تظهر من خارج جميلة، وهي من داخل مملوءة عظام أموات."
على عكس هذا تمامًا ما يجب أن يكون عليه أولاد الله. مثلما صرخ داود النبي وقال: "قلبًا نقيًّا اخلُقْ فيَّ يا اَلله، وروحًا مستقيمًا جدِّد في داخلي. لا تطرحْني من قدَّامِ وجهِكَ، وروحَكَ القدّوسَ لا تنزِعْهُ منّي. رُدَّ لي بهجةَ خلاصِك، وبروحٍ مُنْتَدِبَةٍ اعْضُدْني. فأُعلِّمَ الأثَمةَ طرقَكَ والخطاةُ إليكَ يرجِعون." (مزمور 10:50-13) إذًا ينبغي أن يعيش أولادُ الله بشفافيّةٍ ونقاوة قلبٍ، حياة طاهرة من الداخل والخارج على عكس المتديّن الذي يخدع نفسه ويمثل على الناس ظانًا أنه يقدر أن يخدَع الله.
فحين قال الله لآدم "أين أنت؟" كان يعلمُ بالطبع أين هو. لكنَّه كان يعني (آدم، آدم! لماذا أنت مختبئ؟) أي لا تقدر أن تُخفي نفسَك عني. وهنا تذكّرت لعبة hide & seek التي أشترك فيها باللَّعب مع أحفادي الصغار. إذ في كل مرة كنت أسأل: "أين أنتم؟" وكانوا يجيبونني للحال وبكل براءة: "نحن هنا." وهكذا كانوا يكشِفون عن مكان مخبئهم أي على عكس قوانين اللعبة. هكذا أيضًا أولاد الله يجب أن يكونوا شفافين يعيشون بوضوح ودون أن يخبِّئوا شيئًا عن الله. قال داود في مزموره 23:139-24 "اختبرْني يا اَلله واعرفْ قلبي. امتحنِّي واعرفْ أفكاري. وانظرْ إنْ كان فيَّ طريقٌ باطلٌ، واهدِني طريقًا أبديًّا." أجل، طلبَ من الله أن يختبرَه ويمتحنَه ويهديه إلى الطريق القويم. وقال أيضًا مبيِّنًا السبب في آيةٍ أخرى: "إنْ راعيتُ إثمًا في قلبي لا يستمعُ لِيَ الربّ." (مزمور 18:66).
هناك شيءٌ ثانٍ هام - بالإضافة إلى الرّياء عند الفريسي المتديِّن - هو أنَّ قلبَه أيضًا مشحونٌ بالإثم والخطية وهو مهتم فقط بالتقوى المظهريّة عبر ممارسة الطقوس والفرائض. أما المؤمن الذي اختبر التجديد فيطلب يوميًا أن يعيش طاهرًا مقدّسًا في مشاعره ونواياه. مثلما قال داود في المزمور 51 "اغسلْني كثيرًا من إثمي، ومن خطيتي طهِّرني. لأنِّي عارفٌ بمعاصيَّ، وخطيَّتي أمامي دائمًا." (2و3) – غسل هذا الفساد الداخلي يحصل على أساس ذبيحة المسيح "... الذي أحبّنا، وقد غسلنا من خطايانا بدمه." (رؤيا 5:1) "ودم يسوع المسيح ابنه يطهرنا من كل خطية." (1يوحنا 7:1) لذلك، يقودُ الربُّ هذا المؤمن على الدَّوام ويُشبِعُ في الجُدوب (أي الأرض اليابسة والناشفة) نفسَه وينشِّط عظامه فيصيرُ كجنَّة ريَّا وكنبعِ مياه لا تنقطعُ مياهُه.
كان ابني يحضّر مشروعًا هامًا عن النّجوم في الكون الكبير وبالتحديد Milky Way galaxy - وهي مجرّة حلزونية الشكل، وتنتمي إليها الشمس والأرض وبقية المجموعة الشمسية كما وتدور حول الشمس - وأخبرني أن َّهناك أكثرَ من 10 مليارات من المجرَّات حولَنا. وكلُّ واحدة من هذه المجرَّات فيها 10 مليارات من النجوم. وذكَر أمامي النجمة (ألْفا سنتوري) فقلت له لم أسمعْ بها من قبل. وهنا أخبرني عن النجمة الأقرب إلينا وهي بروكسيما سنتوري (Proxima Centauri) وتبعد هذه عن الأرض أكثر من 40 مليار كيلومتر أي ما يساوي 4246 سنةً ضوئية. وبينما كان ابني يبسِّط الموضوع أمامي، تذكّرتُ الآيات العظيمة التي تقول: "لم يصنعْ معنا حسبَ خطايانا، ولم يجازِنا حسبَ آثامنا. لأنَّه مثلُ ارتفاع السماوات فوقَ الأرض قويتْ رحمتُه على خائفيه. كبُعْدِ المشرِق من المغرب أبعدَ عنا معاصينا." (مزمور 10:103-12)
ليس المهم فقط كيف ينظُر الله إليك يا أخي، لكن ما هي نظرتُك أنتَ عن الله؟
كان يظن الفرّيسي أنَّ الله يحملُ عصًا بيده ليضربَ الإنسان ويقتصَّ منه. لكنَّ الحقيقة هي أنَّ الله يحبُّ الإنسان محبة فائقة المعرفة وهو رحيمٌ ورؤوف. وحين تأتي إليه على أساس كفارة دم المسيح وصليبه يرحمُكَ ويغفرُ خطاياك بالتَّمام ولا يعودُ يذكرُها فيما بعد. ألا يقول الرب: "أنا أنا هو الماحي ذنوبَك لأجل نفسي وخطاياك لا أذكرُها." (إشعياء 25:43) فلا تدَعْ عدوَّ الخير يذكّركُ بخطايا الماضي بل ليكنْ كلُّ يوم بالنسبة لك بدايةً جديدة وعلاقةً حميمةً مع الرب التي لا ينعمُ بهما الفريسي. نطَقتِ العروس في سفر نشيد الأنشاد وقالت معبِّرة عن هذه العلاقة الحميمة: "أنا لحبيبي وحبيبي لي." (3:6) ليس هذا فحسب، بل أذكرُ كلمات الترنيمة أيضًا:
فشخصُك يحلو لفؤاديوحبُّك يملأ كياني
ألمسُه أُحِسُّه، يحيطُ بحياتي فهو غذائي
يجري في دمائي بغيرِه لا أستطيعُ الحياة
(يتبع في العدد القادم)

المجموعة: تشرين الأول (أكتوبر) 2023

logo

دورة مجانية للدروس بالمراسلة

فرصة نادرة تمكنك من دراسة حياة السيد المسيح، ودراسة حياة ورسائل بولس الرسول. عندما تنتهي من هاتين الدراستين تكون قد أكملت دراسة معظم أسفار العهد الجديد. تتألف كل سلسلة من ثلاثين درسًا. تُمنح في نهاية كل منها شهادة خاصة. للمباشرة بالدراسة، أضغط على خانة الاشتراك واملأ البيانات. 

صوت الكرازة بالإنجيل

Voice of Preaching the Gospel
PO Box 15013
Colorado Springs, CO 80935
Email: عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.
Fax & Tel: (719) 574-6075

عدد الزوار حاليا

224 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع

إحصاءات

عدد الزيارات
10627718