يتكلّم الكتاب من سفر التكوين إلى الرؤيا عن القلب بمعنى القلب الروحي. لكنَّنا في واقعنا وعالمنا
نحن نفهم موضوع القلب بالمعنى العاطفي أي المشاعر. أما الكتاب فيتكلّم عنه بمعنى أعمق من هذا بكثير. والرائع هنا أنَّه حين يتكلّم عن القلب الروحي يتكلّم عنه بالمقارنة مع القلب البيولوجي الجسدي. ويستعمل توضيحات عن القلب البيولوجي ليُفهمنا معاني القلب الروحي. وهو يستخدم هذه التوضيحات بشكل رائع.
إذا كنت تعرف شيئًا عن القلب البيولوجي وكم هناك تشابهٌ لا بدّ َّأن تندهش من معرفة الكاتب عن القلب البيولوجي. وكلُّ ذلك ليُفهمنا معاني القلب الروحي لأنَّه أساسيّ.) تمامًا كما قال الرب يسوع لنيقوديموس بما معناه (فسّرتُ لكم الأرضيّات حتى تفهموا السماويات.) فالكتاب حين يتكلّم عن القلب البيولوجي كأنَّه يعرف ما نعرفه نحن الآن وأكثر في القرن الحادي والعشرين أي أكثر من 2000 سنة ب. م. مع أنَّ هذه الأمور كُتبت قبيل 2000-4000 سنة. وهذا بالطبع ما يؤكد لنا أنَّ هذه الكلمة هي موحىً بها من الله وأنَّ يسوع المسيح ليس هو فقط الطبيب الأعظم بل أنَّهُ هو الخالق.
أولًا، القلب النقي: من الضروري جدًّا أن نفهمَ القلب النقي. قال داود في صلاته: "قلبًا نقيًّا اخلُقْ فيَّ يا اَلله." (مزمور 10:51) ويقول الرب يسوع: "طوبى للأنقياء القلب، لأنَّهم يعاينون الله." (متى 8:5) ويقول سليمان الحكيم: "فوق كل تحفُّظ احفظ قلبك، لأنَّ منه مخارجَ الحياة." (أمثال 23:4) فما معنى مخارج الحياة؟ ولماذا استخدم الكتاب هذا التشبيه بين الاثنين، القلب البيولوجي والقلب الروحي؟ لأنَّ القلب الذي بداخلِك هو العضو الوحيد الذي إذا توقّف توقّفت معه الحياة. ثم إذا حدَث وأُصيب بالسَّرطان مثلًا فإنَّه من غير الممكن اقتطاعَ قسمٍ منه. كما أنَّ مرض القلب ما زال هو المسبِّب الأول للوفيات على سطح كرتنا الأرضية، التي يبلغُ عددُ سكانها حوالي 7,7 مليار رغم الأوبئة والكورونا! أما السببُ الأساسي والكامل للموت الروحي فهو موضوعُ القلب الروحي. لهذا علينا أن نُجري فحصًا لقلوبنا أي نقوم بـ Cardiac Checkup. وإذا درستَ انتشار أمراض القلب والأوعية الدموية فستجد أنَّ حوالي 50% من الناس بعد عمر الثلاثين والذين لم يعانوا مسبقًا من أمراض القلب قد يصبحُ لديهم نوعًا ما من أمراض القلب والأوعية الدموية. وهذا أيضًا خطيرٌ جدًّا من الناحية الروحية. لذا علينا أن نفهمَ أمراض القلب الروحية وكيف تتشابه مع أمراض القلب الجسدية، وأيضًا أن نفهم ما هو معنى القلب الصحيح السليم بحسب الكتاب. فالجسد السليم هو في القلب السليم. والكتاب يعطينا مقارنة بين الاثنين.
فماذا يقول الكتاب عن القلب؟ "فوق كلِّ تحفُّظ احفظ قلبك، لأنَّ منه مخارجَ الحياة." (أمثال 4: 23) والآن، ما معنى مخارج الحياة من الناحية البيولوجيّة؟ لأنَّ من هذه العضلة المضخَّة يُضخُّ الدم إلى كلِّ أنحاء الجسد وهكذا تستمرّ الحياة في هذا الجسد. لكنْ إذا توقّف القلبُ عن النبض أي الضَّخّ، فإنَّ الجسد يتوقّف عن الحياة. والكتاب يقول: "لأنَّ نفْسَ الجسد هي في الدم." (لاويين 11:17) والدم مهمٌّ جدًا لأنَّه يَغسِلُ ويطهِّر. ونفس الشيء بالنسبة للناحية الروحية. لأنَّ دم يسوع المسيح هو أساس الحياة الروحية لكلِّ أعضاء جسد المسيح الذي هو الكنيسة. هذه تشابيهٌ منطقيَّة صحيحة لأنَّ مخارجَ حياة الجسد تنبع منه أيضًا. ثمَّ ماذا يخرج من القلب من الداخل؟ تخرج منه النوايا، والأفكار، والعواطف، والقرارات. فالقلب هو مصدر القرار الروحي الذي يحدِّد بالتالي مصيرك الروحي والأبدي. وأيضًا، إن الذي يخرج من القلب من الداخل كالأفكار الشريرة، والزنى، والفسق وإلى ما هنالك قال عنها الرب يسوع "هي التي تنجِّس الإنسان." لكن إن كانت الأفكار طاهرة ونقيّة فإنها تقدّس الإنسان وتكون بركة للذين حولهُ أيضًا. والآن علينا أن نفهم ثلاثة أشياء:
* القلب الروحي هو مصدر الأفكار: قال النبي داود: "لتكن أقوال فمي وفكر قلبي مرضيةً أمامك يا رب، صخرتي ووليّي." (مزمور 14:19) ويقول عن الرب يسوع: "فللوقت شعر يسوع بروحه أنهم يفكّرون هكذا في أنفسهم، فقال لهم: [لماذا تفكرون بهذا في قلوبكم؟]" (مرقس 8:2)
* والقلب هو مصدر المشاعر: "وُجدَ كلامُك فأكلْته، فكان كلامك لي للفرح ولبهجة قلبي." (إرميا 16:15) ويقول بولس: "إنَّ لي حزنًا عظيمًا ووجعًا في قلبي لا ينقطع." (رومية 2:9) الفرح والحزن ينبعان من القلب.
* والقلب هو مصدر الإرادة: يقول الرب يسوع: "إنْ أراد أحدٌ أن يأتي ورائي فلْيُنكر نفسَه ويحمل صليبه كلَّ يوم ويتبعني." (لوقا 23:9) هنا الإرادة واضحة. وفي أخبار الأيام الأول: "فالآن اجعلوا قلوبكم وأنفسكم لطلب الرب إلهكم." (19:22) إذن القلب هو مصدر لكلّ النوايا والمشاعر والأفكار وهذه كلُّها تحتِّم مصيرَ الفرد الأبدي الروحي.
الأمراض الروحية للقلب: وبعد هذه الحقائق الهامة أودّ هنا أن أطرحَ ثلاثة أمراض روحية التي هي شبيهة بالأمراض الجسدية وهي:
أولًا: تلوّث القلب Infective Endocarditis يقول الكتاب: "أمَّا دانيآل فجعل في قلبه أنّه لا يتنجّس بأطايب الملك ولا بخمر مشروبه، فطلب من رئيس الخصيان أنْ لا يتنجّس." (8:1) إذن القلب يتنجّس. لهذا صرخ داود: "قلبًا نقيًّا اخلُقْ فيَّ يا اَلله."
ثانيًا: القلب الضيِّق Restrictive Cardiomyopathy يقول بولس: "فمُنا مفتوح إليكم أيها الكورنثيُّون. قلبُنا متَّسِع. لستم متضيّقين فينا بل متضيّقين في أحشائكم. فجزاءً لذلك أقول كما لأولادي: كونوا أنتم أيضًا متّسعين!" (2كورنثوس 11:6-12) المرض إذن هنا هو ضيقُ القلب. والحلّ هو القلب المتّسع Compliance Heart أيّ المحبّ. ويضمّ هذا القلب الجميع دون استثناء.
ثالثًا: مرض القلب البطيء Bradycardia & Heart Block: قال الرب يسوع لتلميذَي عمواس: "أيها الغبيَّان والبطيئا القلوب في الإيمان بجميع ما تكلَّم به الأنبياء!" ومرض القلب البطيء هو الذي ينخفضُ فيه النبضُ تحت المعدَّل الطبيعي فيَصِلُ مثلًا إلى 40 نبضة في الدقيقة وبالتالي يصبح صاحبُه بخطر ويحتاج إلى Pacemaker، لكنْ ما هو الحلّ؟ تتابع الآية لتقول: "فلما اتكأ معهما، أخذ خبزًا وبارك وكسَّر وناولَهما، فانفتحت أعينُهما وعرفاه ثم اختفى عنهما. فقال بعضُهما لبعض: [ألم يكن قلبنُا ملتهبًا فينا إذ كان يكلّمنا في الطريق ويوضّح لنا الكتب؟]" (لوقا 25:24 و30-32) إذن الحلّ هنا هو القلب الملتهب، أي الذي ينبض بشكل صحيح وصحّي. وهذا يعني من الناحية الروحية أن يكون لدى الإنسان المؤمن قلبًا ملتهبًا مليئًا بالرغبة لخدمة السيد والنفوس.. وهنا وجدنا أنَّ هذا كلّه له ما يُشابهه من الناحية الطبية. والآن، لماذا من المهمّ جدًّا أن نحفظَ قلوبنا نقيّة؟ لأنّ أخطارًا كثيرة تحيط بنا:
الخطر الأول هو: أ- التلوّث كأن تدخلَ مثلًا جرثومةٌ خطيرة إلى القلب وتعشّش فيه. وهنا وبدلَ أن يوزّع القلب الدم النقي إلى كل أنحاء الجسم يضخُّ الدمَ الجراثيم لكلّ الجسد. وعليه يغدو القلب مصدرًا للموت بدلَ الحياة. إذ يكمن هناك خطر الجلطات التي تصيب الدماغ أو العيون. هذا ما يحصل تمامًا في موضوع النجاسة إذ تقول كلمة الله عن حالة القلب بعد سقوط الإنسان بأنه مصدر الشرور: "لأنَّه من الداخل، من قلوب الناس، تخرج الأفكار الشريرة: زنًى، فِسْقٌ، قتلٌ، سرقةٌ، طمعٌ، خبثٌ، مكرٌ، عهارةٌ، عينٌ شريرة، تجديفٌ، كبرياءُ، جهلٌ." (مرقس 21:7-22) ليس هذا فحسب، بل حتى إذا نظرَ الإنسان إلى امرأة ليشتهيَها فقد زنى بها في قلبه. وإذا لم يوجد حلٌّ في دم يسوع المسيح فإنَّه لا بدَّ أن يموتَ القلب روحيًا بسبب هذه الجراثيم التي تعشِّش في داخله. وجميع هذه الشرور تخرج من الداخل وهي التي تنجِّس الإنسان. خذ دانيآل مثلًا، الذي رفض أن يتنجَّس بأطايب الملك على الرغم من أنَّه كان مسبيًّا وشابًا فتيًّا أُتِيَ به إلى أرضٍ غريبة وغيّروا اسمَه حتى إنهم وضعوه مع الأشخاص المخصيّين! تصوَّر نفسك مكانَه ماذا كنت ستفعل؟ أما دانيآل فقد عزم على أن يحفظَ قلبه نقيًّا. لهذا احفظ قلبك طاهرًا؛ وهذا الكلام هو لنا جميعًا للكبير كما للصغير. واحفظ عينيك طاهرتين أيضًا بقوة روح المسيح الساكنة فيك. هذا هو أساس الحياة الروحية الطاهرة.
والآن، مقارنة سريعة بين دانيآل وسليمان الحكيم. إذ سأل سليمان الله أن يمنحه قلبًا حكيمًا. فأعطاه الله الحكمة شرطَ أن يسلك في طريق الرب ويحفظَ فرائضه. (1ملوك 3) لكنَّه للأسف أراد الحكمةَ دونَ الطهارة. والكتاب لم يتركْ شيئًا لم يتكلّم عنه فنقرأ عن الحكمة النازلة من فوق ووصفها يعقوب الرسول بأنها: "أولًا طاهرة." (17:3) وكان لدى سليمان 700 من النساء و300 من السراري وفي آخر أيامه أمالت نساؤه قلبه وراء آلهة أخرى ولم يكن قلبه كاملًا مع الرب إلهه كقلب داود أبيه. ويمكن أن تتساءل: هل كان داود كاملًا؟ كلّا، طبعًا. لكنّه صرخ قائلًا: "قلبًا نقيًّا اخلُقْ فيَّ يا اَلله." أي بحسب قلب الله (مزمور 10:51) نعم، "ودم يسوع المسيح ابنه يُطهّرنا من كلّ خطية." (1يوحنا 7:1) ويقول الرسول أيضًا: "الذي أحبَّنا وقد غسَّلنا من خطايانا بدمه وجعلنا ملوكًا وكهنة لله أبيه." (رؤيا يوحنا 5:1) حتى وبعد أن نولد الولادة الثانية يمكِنُنا أن نطلبَ يوميًا من الرب أن يمنحنا طهارةَ القلب ونقاوتَه لأنَّ شهوة الجسد تنجّس. قل للرب: "اختبرني يا اَلله واعرف قلبي. امتحنّي واعرف أفكاري. وانظر إن كان فيَّ طريقٌ باطلٌ، واهدني طريقًا أبديًّا." هذه كلّها شهواتُ الجسد التي تنجّس القلب. (يتبع)