السلبيّة: النقّ، التذمّر، الانتقاد والملامات
لكلِّ امرئٍ في الحياة أحلامه: أحلام المستقبل والعلم،
أحلام الإنجازات، أحلام السفر والعمل... أما الحلم الأكبر والأصعب بينها فحلم الزواج. الحلم بإيجاد شريكٍ مثاليٍّ يمضي معه سني حياته كلّها... شريكٍ يحبّه. إنه الحلم بالحياة الأسعد وبالزواج الأنجح.
يظنّ الإنسان أن المشاكل والهموم الزوجيّة لا تحصل إلّا عند الآخرين، ويعتبر أن زواجه هو المثالي.
ما يغفل عنه الكثيرون هو أنّ نجاح الزواج لا يعتمد على الحظّ ولا بالصدفة، بل يتطلّب الكثير من السهر والاجتهاد والانضباط والتضحية ليستمرّ الانسجام والتناغم وليدوم الهناء. قد يستمرّ اثنان معًا سنينَ طويلة على مضضٍ وبدافع الواجب، أو خوفًا من المجتمع، وهذا النوع من الزواج بعيدٌ جدًّا عن المثاليّة. فهل هذا ما أراده الله للإنسان في الزواج؟
أراد الله للزواج أن يشكّل مصدر سعادةٍ للإنسان وحدثًا مفرحًا في حياتنا، وشراكةً رائعةً تمجّد المسيح في عائلة متينة تنتج أولادًا أصحّاء. أراد الله خيرَ الإنسان إذ قال: "ليس جيِّدًا أن يكون آدم وحدَه". أي أن الله أراد "الجيِّد" للإنسان. شبّه الرّبّ اتّحاد الزوجين باتّحاد المسيح بالكنيسة. فهل هو اتّحادٌ بالواجبِ فقط؟
المشكلة هي في أن الكثيرين يستخفّون ببعض الأشواك ظنًّا منهم أنها صغيرة وسخيفة ولا تأثيرَ لها، لكنّها تجرح اليدين وتفسد جمال العلاقة وتنهك الشراكة وتنفّر الأزواج. كثيرون يظنّون أنّ ما يُدمِّر الزواج هو الزنى أو القمار أو أمور كبيرة فقط، وهذا صحيح بالطبع؛ غير أن الواقع هو أنّ كثيرين يصلون إلى الطلاق بسبب أمورٍ صغيرة ظلّت تنخر في زواجهم لسنين طويلة حتى حوّلت العلاقة إلى أمر لا يُطاق ولا يُحتمل. ويقول الكتاب المقدس إن "السهوات من يشعر بها." وهي تعمل كمخرز في البيت الزوجي يظلّ ينخر فيه إلى أن ينطفئ.
السلبيّة مشكلة كبيرة؛ وهي نمط حياة لدى الكثيرين ممّن "لا يعجبهم شيء". أسلوب حياةٍ مليء بالنقّ والتذمُّر. نعم، لقد قيل في النقّ أنّه "قاتل للزواج". ألم نسمع جميعنا بهذا المثل الشعبي: "بُكرا النقّ؟" قد نظنّ الأمر نكتة لكن النقّ، وللأسف، ميِّزة الكثير من النساء والرجال، ولو بنسبة أكبر عند النساء. فالمرأة تتحمّل مسؤوليّات كثيرة، بالإضافة إلى عملها خارج المنزل، والاهتمام بالأولاد، وتدريسهم، وتدبير المنزل. وفي هذه الأعمال كثيرٌ من الروتين القاتل و"التعصيب" الذي يسبّب الضّجر والضّيق النفسي. يأتي الزّوج بعد نهار عملٍ طويلٍ متعبٍ ليجد الزوجة تنتظره بفارغٍ من الصبر، لا لتستقبله ببسمة حلوة وبشوق بل لتصبّ فيه ما لديها من مشاعر مضغوطة: ويبدأ النّقّ والتذمّر. يا للجلسة الرائعة بعد نهار طويل! تذمُّرٌ من الأولاد ومن دروسهم، ومن ضغط البيت، ومن أنّ كلّ الأعمال متروكة، وما من أحد في البيت يتصرّف بمسؤولية... المدخول قليل، الأدوات معطّلة، نقّ ونقّ فنقّ... والأسوأ هو أن النقّ لا يبقى في إطار التذمُّر فقط بل ينتقل أيضًا إلى اللومِ المباشر: "أنتَ لا تهتمّ بي! لا تساعدني! لا تقدِّرني! لا تشعر بي! وبدلًا من أن نحصر ما نشعر به من ضيقٍ بسببه الرئيسي، نظنّ أن لوم الآخر يريح. الأسوأ من هذا كلّه أن الأمر يتكرّر يومًا بعد يوم حتى يصبح البيت مكان انزعاج، والجلسة العائليّة مصدر توتُّر وملل. فيكره الإنسان الساعة التي يجيء فيها إلى البيت. وشكا أحد الرجال وضعه الزوجي قائلاً: "امرأتي نقّيقة، نكِدة!" ما أبشع هذه الصورة التي يعبّر فيها هذا الرجل عن زوجته. وربما يكون الوضع المادي ضيّقًا أو يصحّ أن الرجل غيرُ مبالٍ ويلقي بمعظم الحمل على زوجته، وهذا خطأ بالطبع... لكن الأكيد هو أن هذا الأسلوب لا يأتي بأيّ نتيجة على الإطلاق بل إنه يأتي بنتيجة معاكسة. فماذا أفعل إذًا خاصّة وأن هناك الكثير من الأمور التي تزعجني في شريك حياتي وتنخر عظامي؟ هل يُمنَع عليّ التعبير عمّا يزعجني؟ وكيف أصلحُ الأمر أو أغيِّره؟
كيف أتصرّف؟
تمعّني في اختيار الوقت الصحيح للانتقادات. ولا تكثري منها عندما يعاني زوجك من إحباط معيّن أو من ضغوطاتٍ في عمله. واختاري الوقت المريح لتُشاركيه ما عندك.
اجعلي نقدك مهذّبًا ولطيفًا من دون تجريح أو تحقير وافعلي ذلك بمحبّة.
لتكن مواضيع نقدك محدودة. وعالجي الأمور مشكلة تلو المشكلة وليس كلّها معًا.
ركّزي على الأمور الإيجابية ولا تكتفي بالسلبيّة وحسب. إذ لا يجوز أن تنظري دائمًا إلى القسم الفارغ من الزجاجة. وهناك أشخاص "لا يعجبهم العجب" كما يقول المثل الشائع.
كوني محقّة في طلباتك وواقعيّة. تمهّلي وفكّري جيِّدًا قبل أن تنتقدي. ضعي نفسك في مكانه وحاولي أن تنظري إلى الأمور من زاويته.
أدركي أنّ طبيعة الرجل تختلف عن طبيعة المرأة. فهي تحبّ التفاصيل وتهتمّ حتى بصغائر الأمور بينما ينظر إليها الرجل من زاوية شاملة. لا تتوقّعي منه أن يهتمّ بالأمور كما تريدين تمامًا.
حافظي على جوٍّ رائعٍ في البيت. فلا يتحوّل هذا النقد إلى أسلوب حياةٍ مستمرّ. "أكلةٌ من البقول حيث تكون المحبّة، خيرٌ من ثورٍ معلوفٍ ومعه بغضة".
لا تنتقدي شريك حياتك أمام الأولاد حتى لا يفقدوا ثقتهم واحترامهم لأبيهم.
تذكّري أنّك لا تملين عليه الأوامر وأنت لا تقرّرين في أمور البيت منفردة، فالحياة الزوجيّة مشاركة قبل كلّ شيء.
اعرفي أن مشكلة النقد تكمن في معظم الأحيان في الأسلوب. كلّ إنسان يقبل أي أمر في حال كان الأسلوب جيِّدًا. "الرجل الغضوب يهيّج الخصومة، وبطيء الغضب يسكّن الخصام".
تمسّكي بما يقوله لنا الرب: "حكمة المرأة تبني بيتها..." (أمثال 1:14) "الأذن السامعة توبيخ الحياة تستقرّ بين الحكماء." (الأمثال 31:15) "افعلوا كل شيء بلا دمدمة ولا مجادلة." (فيلبي 14:2) "السكنى في زاوية السطح، خير من امرأةٍ مخاصمة في بيت مشترك." (أمثال 24:25) "... الكلمة في وقتها ما أحسنها!" (أمثال 23:15)
المرأة الفاضلة "تصنع له خيرًا لا شرًّا كلّ أيام حياتها... تشتغل بيدين راضيتين... تفتح فمها بالحكمة... يقوم أولادها ويطوّبونها، زوجها أيضًا فيمدحها: [بنات كثيرات عملن فضلاً، أما أنتِ ففُقتِ عليهنّ جميعًا.] ... أما المرأة المتّقية الرب فهي تُمدح." (أمثال 12:31-13، 26، 28-29)