في الجزء الأول من هذه المقالة، ذَكرتُ سبع ملاحظات عن الله الخالق من النص الكتابيّ
في تكوين 1و2. في هذا الجزء سوف أستكمل بعض الملاحظات والاستنتاجات اللاهوتية عن الله الخالق.
مفهوم العقيدة
يُعلن الكتاب المقدس في تكوين 1 و2، أن الله أزليُّ الوجود وهو ربٌّ واحد وخالق الكون من العدم، خلقًا فوريًّا مباشرًا معجزيًّا لمجده الذاتي بدون أيِّ شكلٍ من أشكال التطوّر الكبير، ولم تكن الخليقة موجودة أزليًّا. خلق الرب الأرض والسماوات من لا شيء بواسطة قوّة كلمته في ستّة أيام حرفيّة كما يُعلنها سفر التكوين بالتحديد، والكتاب المقدس عمومًا. وهذه العقيدة بحسب كل الكتاب المقدس تنفي كل ادّعاءات الإلحاد "العلمية" ونظرية التطوّر الكبير التي تُناقض جوهر قصة الخلق الكتابية. تكمن أهميّة هذا الموضوع في الهجوم الكبير في الدوائر الأكاديمية في الغرب (خصوصًا في المدارس العامة والجامعات) مثلًا في أمريكا وكندا وأستراليا على قصّة الخلق بحسب الكتاب المقدس. يحاول هذا الهجوم أن يهدم أيّ فكرٍ دينيّ في عقول الأطفال والشباب الطلبة من أجل زرع الشكّ في قلوب أولاد المسيحيين. إذا كانت بدايات سفر التكوين خاطئة وأسطورية، فإن بقية أسفار الكتاب المقدس، وموضوع الفداء، والنهايات أيضًا خاطئة وليست جديرة بالإيمان.
ملاحظات لاهوتية من تكوين ١ و٢
أولًا، من هو الخالق؟
الله مثلّث الأقانيم: الله الآب – (تكوين 1:1؛ خروج 11:20). كذلك الله الابن – (يوحنا 3:1؛ كولوسي 16:1). وأيضًا الله الروح القدس – (تكوين 2:1؛ أيوب 4:33). يشهد الكتاب المقدس بمساهمة جميع أقانيم الثالوث في عمليّة خلق العالم بالرغم من اختلاف أدوارهم.
ثانيًا، كيف خلق الله العالم؟ خلق الله العالم بقوّة كلمته – خلقًا معجزيًّا – ومن العدم بدون أيِّ مادة وسيطة. لا يذكر النصّ الكتابيّ أيّ وجودٍ للمادة أزليًّا ولا يذكر أيّ "انفجار عظيم" في الكون! لكن، إذا كانت المادة أزليّة، كما يتصوّر البعض، فهناك معضلة لاهوتية كبيرة في عقيدة الله وفي الكون. الله وحده أزليّ وكلّ العالم يستمدّ وجوده من الله، ولا يمكن لأيِّ شيء أو شخص أن يشارك الله في سمات العظمة التي هي الأزليّة والسيادة واللامحدوديّة. والجدير بالذكر أن الكثير من العلماء رفضوا كليًّا النظريّة القديمة أن المادة أزليّة.
يذكر الكتاب المقدس أن الله خلق العالم بقوّة كلمته، والإيمان هو الذي يساعدنا على قبول هذه الحقيقة (عبرانيين 3:11). هناك آيات أخرى عديدة في الكتاب المقدس تؤكّد قوة كلمة الله الفعالة في الخلق. وقد حدث كثير من معجزات المسيح كخلقٍ خاص بقوّة كلمته بدون أن يذكر الكتاب المقدس كيف حدثت. بالإيمان نفهم ونقبل أن العالم قد خُلق بقوّة كلمة الله وهذا واضح جدًا في تكوين ١.
يذكر الكاتب كينيث ماثيوس، في تفسيره لقصة الخليقة في سفر التكوين، أن سلطان الله ظاهر بواسطة قوة كلمته الخالقة، وهو يشمل أمرًا إلهيًّا يتبعه تنفيذُ مباشر. أمر الله: "ليَكُنْ نور، فكان نور". وقد تكرّرت أوامر الخلق هذه في تكوين 6:1، 9، 11، 14، 24). وردت عبارة "قال الله" عشر مرات (سبعة تخصّ الخلق وثلاثة تخصّ الإنسان.) وتكرّر القول "وكان حسنًا" سبع مرات. تؤكّد جميع هذه الأقوال والأوامر وتشدّد على قوّة الله في الخلق وكلمته، ولا تدع مكانًا للشك في قوة كلمة الله الخالقة.
استنتاجات لاهوتية
١. اَلله موجود. الآية الأولى في تكوين 1:1 تفنّد الإلحاد (Atheism). لا يدافع الكتاب المقدس عن وجود الله ولا يبرهنه، لكنه هو الفرضية المسيحية من أول آية في الكتاب المقدس. الكون ليس هو الله بل يشهد عن وجود الله.
٢. الله واحد. نستنج في تكوين 1 بأن الله إلهٌ واحد وخالق الكون، وتشرح بقية أجزاء الكتاب المقدس وتوضّح بأنه لا يوجد إله آخر ولا آلهة، لذلك يصبح الإعلان: "الله واحد" التصريح المركزي لليهودية والمسيحية، وهذا يفنّد مذهب تعدّد الآلهة (Polytheism).
٣. الله متعالٍ. من يقرأ تكوين 1 و2، يرى الله كأنه يقف من أعلى وينظر إلى الخليقة ويُصرّح: "هذا حسن". لقد جاءت الخليقة من عمل الله المُعجزي، فالخليقة ليست جزءًا من الله لكنها معتمدة على الله. الله متسامٍ ومتعالٍ على الخليقة.
٤. يطالبنا الله بالإيمان في عبرانيين 3:11، فإمّا نؤمن بكلامه أو نرفضه! والشاهد الوحيد وقت خلق الكون هو الله، وهو الأزلي الوحيد الذي يملك صفة الخالق، وكُلّي المعرفة والقوة، وهو ثابتٌ في معرفته وجوهره ولا يتغيَّر. بالمقابل، لم يكن العلم موجودًا وقت الخلق، ولا العلماء... ولا يملك أي عالِمٍ بشريّ المعرفة الكلية! كما أن بعض النظريات العلمية متغيّرة وغير ثابتة وحتى غير متّفقٍ عليها علميًا، ويطالب العلماء الناس بقبول نظرياتهم "بالإيمان العلميّ". هناك مصدران لمعرفة الحقيقة في موضوع الخلق: إما أن نقبل كلمة الله التي جاءت من الله الأزلي كلّي المعرفة؛ أو نقبل كلام العلماء غير المتفّق عليه. إما نصدّق ونقبل الإيمان الكتابي، أو الإيمان العلمي! أدعوك أن تصدّق كلمة الله التي لا تتغيّر وتثق بها!
أدعوك عزيزي القارئ لدراسة تكوين 1 و2 بتدقيق، والثقة بالرب، ومشاركة الآخرين بعقيدة الخلق الكتابية والله الخالق، وتعليمها في الكنائس والتمسّك بها بلا خجل.