نحن نعيش في عالم مجروح يئنّ بسبب دخول الخطيّة إليه، ويُشبّه الكتاب المقدس الخاطئ كمريض مصاب بجروح متنوّعة،
وعن هذا الموضوع يتكلّم الكتاب بدّقة ما يلي:
تُشبَّه خطيّة الجهل في مزمور ٣٨ بجراح قديمة مملوءة صديدًا (جروح متقيّحة) لها رائحة كريهة! "أنتنت جراحي وسال صديدها بسبب جهالتي... وأئنّ من أوجاع قلبي الدفينة." (مزمور ٥:٣٨، ٨ كتاب الحياة)
وإليك مثلًا آخر في سفر إشعياء، بسبب توغل الشعب في خطايا تقشَعّر لها الأبدان، توصف الخطايا كجروح لا يمكن علاجها ويصدر التقرير الصحي الإلهي كالآتي: "كُلُّ الرَّأْسِ مَرِيضٌ، وَكُلُّ الْقَلْبِ سَقِيمٌ. مِنْ أَسْفَلِ الْقَدَمِ إِلَى الرَّأْسِ لَيْسَ فِيهِ صِحَّةٌ، بَلْ جُرْحٌ وَأَحْبَاطٌ وَضَرْبَةٌ طَرِيَّةٌ لَمْ تُعْصَرْ وَلَمْ تُعْصَبْ وَلَمْ تُلَيَّنْ بِالزَّيْتِ." (إشعياء ٦:١)
ماذا يقول التقرير عن خطية الزنى؟ إن تأثيرها مثل الجروح القاتلة "طَرَحَتْ كَثِيرِينَ جَرْحَى، وَكُلُّ قَتْلاَهَا أَقْوِيَاءُ." (أمثال ٢٦:٧)
وفي نفس السفر نرى مُدمني الخمور في حالةٍ ميؤوسةٍ منها مصابين بجروح نفسيّة "لمن المعاناة؟ لمن الويل والشقاء والمخاصمات والشكوى؟ لمن الجراح بلا سبب؟" (الجواب:) "للذين يدمنون الخمر." (أمثال ٢٩:٢٣-٣٠)
أي إنّ العبودية للخمور تبدو جميلة كجمال ألوان الحيّة ولكن نهايتها دمار وخراب - أستطيع أن اسميها "جراح الخداع بالخمور" أو جراح لدغة اللذّة الوقتيّة!
عزيزي القارئ، هل تتفق معي بأننا نعيش في عالم مجروح يحتاج إلى شفاء؟ ويحتاج إلى تضميد الجراح؟ وإلى الراحة وزوال الأنين؟ إذا لم تتفق معي، أكتب لنا لأننا نريد أن نعرف رأيك، أقول ذلك لكيلا تكون المقالة مثل المونولوج (حديث فردي).
إن أخطر أنواع الجروح هي جروح عدم التوبة ورفض الإصغاء لوصايا الرب. "وكلّم الرب منسّى وشعبه فلم يصغوا." (٢أخبار ١٠:٣٣) إنّ عواقب هذه الجروح هي مذلة وقيود وشعور بفقدان الكرامة. هل بين القراء من يقول "أريد أن أؤمن ولكني لا أستطيع أن أتوب؟" أقول لك: إن في اسم الرب يسوع قوّة وسلطانًا لكي تتوب. اسمع قول الكتاب: "وأن يُكرَز باسمه (أي باسم يسوع) بالتوبة ومغفرة الخطية..." (لوقا 47:24)
والآن تعال معي نستكمل حديثنا الصحيح عما سبّبته الخطيّة من جروح نفسية ومعنويّة وروحية وجسدية:
جميعنا يعرف قصة مجنون كورة الجدريين الذي "كان... يُجرِّحُ نفسه بالحجارةِ." (مرقس ٥:٥). إن أسوأ أنواع الجروح هي جروح العبودية للشيطان! أليس هذا ما يحدث للمدمنين على المخدرات ومشاهدي الأفلام الإباحية أو أفلام الرعب أو رواد صالات القمار؟ اسأل أي طبيب مسيحي مُختصّ في علم النفس، فيجيبك نعم، إنّ من يفعل ذلك يُجرّح نفسه. ربما تقع هذه المقالة بالصدفة - وليس صدفة عند الله - بين يدَيّ أحد المنغمسين بهذه الأمور، فتسأل متحسّرًا هل من رجاء؟ نعم وألف نعم! وشكرًا للرب يسوع إنه المحرر العظيم الذي يحرر من سلطان الشيطان ومن سلطان الخطية... إنه وحده شافي الجروح، فقط آمن به وتعال إليه الآن.
والآن أريد أن آخذك معي في رحلة قصيرة إلى مثل السامري الصالح (لوقا ٣٠:١٠-٣٧) حيث نرى جروح ضحية العالم المتوحّش، عالم لا يشفق ولا يرحم، إنه عالم شرس لم يتغيّر منذ أيام قايين، ولكني أريدك أن تركز معي على هذه الكلمات: "ولما رآه تحنّن، فتقدّم وضَمَدَ جراحاته" يا لها من كلمات من ذهب تستحقّ أن ندقّق فيها طويلًا!
يحتاج المجروح إلى نظرة حنان... والحنان يأتي من دافع المحبّة القلبية. لاحظ السامري الذي ضَمَدَ جراحات عدوّه! نعم إنه أمر غير عادي وضدّ التقليد المعروف، إذ يقول الكتاب في موضع "لأن اليهود لا يعاملون السامريين" والعكس صحيح أيضًا، فهناك كراهية قديمة، ولكن السامري الذي أستطيع أن أسميه المُضمّد الصالح، رأى في ذلك المضروب من اللصوص، بأنه إنسان يحتاج لعلاج وعناية ويحتاج رحمة وشفقة.
ما أجمل هذه العبارة "تحنّنَ فتقدّمَ وضَمَدَ جراحاته." ولكن قد يسأل أحدهم: "أنا مجروح وجرحي عميق، من يشفي أنيني؟ أقول لك إنّه أعظم طبيب يشفي جراحنا هو صانعنا وهو الرب يسوع تبارك اسمه، فبالإيمان بدمه المسفوك على الصليب يبرئ جراحنا، وبلمسات يديه الحنونة على رؤوسنا يُعيد إنسانيتنا، وبصوته الرقيق يُطيّب قلوبنا، وبمسحة روحه القدوس ينعش أرواحنا، وكل ذلك بنعمته مجانًا... إنه ابن الله القدوس الجريح العظيم الذي دخلت المسامير الغليظة يديه المباركتين، وطُعِنَ على الصليب وسفك دمه لكي يُطهرنا ويقدسنا ويبرئنا، لذا يقول الكتاب " وبجراحه برئنا". يسوع المسيح فوق الصليب جُرِحَ نفسيًّا ومعنويًّا وجسديًّا وحمل كل خطايانا لكي يكون وحده القادر أن يشفي كل أنواع الجروح.
والآن يا عزيزي المؤمن ليتنا نتشجع... هيا أنا وأنت لنتحنّن ونتقدم ونكون مثل المُضمّدين تحت قيادة طبيبنا العظيم ربنا يسوع... فعالمنا يئن بالخطية والناس متروكون كل واحد منهم بين حيٍّ وميِّتٍ - لنقدّم لهم يسوع المصلوب الذي جُرح لأجلنا جميعًا لكي يبرئنا من الخطيّة ونتائجها... لنُشفق على كل خاطئ صاعد أنينه إلى السماء، هيا فلنكن مؤمنين عمليّين ولنأخذ المبادرة التي تقدّم بمحبة يسوع.
لاحظ المجروحين حولك، هل حولك شخص مجروح بمحبة المال وطعن نفسه بأوجاع كثيرة؟ تكلّم معه عن خلاص الرب الكامل فوق الصليب وأظهِر له المسيح الفريد إنه أعظم كنز لا يفنى عندما تقبله في قلبك.
هل من حولك شخص مجروح بسبب خداع بريق العالم له؟ قدّم له المسيح الذي هو حكمة الله المتجسّد، وصليب يسوع الذي أظهر حكمة الله، وكلّ من يقبله يسكن فيه المسيح بروحه ويصبح حكيمًا بحكمة سماوية لا يستطيع أي مخلوق أن يخدعه، فتبرأ جراحات خداع الخطيّة.
أختم بهذه القصة الواقعية: ذهبت إحدى الأخوات لزيارة في مَصَحّة لكبار السن، ورأت هناك امرأة مكتئبة لا أحد يسأل عنها، فقدّمت لها الكتاب المقدس هدية، وتكلّمت معها برسالة الفداء أي بالخلاص العظيم الذي صنعه الرب يسوع على الصليب، ففتح الرب ذهنها وقبلت الرب يسوع مُخلّصًا لها. وقالت لها: "أنتِ لؤلؤة غالية كثيرة الثمن في عيني يسوع الذي يُحبك، ففرحت وقالت لها: اقرئي إنجيل يوحنا الأصحاح ١٤. وفي اليوم التالي سألت تلك السيدة الأخت: هل كل هذه البركات والتشجيعات لي؟ فأجابتها: نعم!
لقد خرجت تلك المسكينة من جراحات الوحدة وصغر النفس عندما عرفت قيمتها ومكانتها في المسيح يسوع، وأكملت السيدة حديثها وقال للأخت: اذهبي وأخبري الباقين أيضًا.