الإعلان الأقوى في الميلاد هو أنّ المسيح "حَسَبَ الْجَسَدِ" هو "الْكَائِنُ عَلَى الْكُلِّ إِلهًا مُبَارَكًا إِلَى الأَبَدِ"
(رومية 5:9). تصدمنا شهادة الوحي المُقدّس، التي لا لَبْسَ فيها، عن ألوهة المسيح. فالّذي وُلِدَ في بيت لحم، من مريم ابنة داود، ليس مُجرّد أمير من نسلٍ ملكيّ ولا مُجرّد نبيٍّ يحمل رسالة الآباء ويُكمِّلها. إنّه الكائن على الكلّ، وهو الإله. وهو المبارك إلى الأبد. إنّه الّذي "مَخَارِجُه مُنْذُ الْقَديم، مُنْذُ أَيَّامِ الأَزَل" (ميخا 2:5).
رفض اليهود هذه الحقيقة ولم يعترفوا بيسوع إلهًا وملكًا ومسيحًا، فتألّم الرسول بولس جدًّا لأجلهم. واخترق الحزن أعماق قلبه، وهو الّذي كان مغاليًا بينهم حتى أعلن يسوع ذاته له. ولماذا يتألّم بولس لأجل الّذي لم يقبل ألوهة المسيح؟ لأنّه عرف أن خسارة ذاك كبيرة وأبديّة ولا تُعوَّض. وبولس، كموسى في القديم، ومن محبّته لشعبه، تمنّى لو يكون هو محرومًا من المسيحَ وهالكًا لخلاصهم، فانتقل لتبشيرِهم مُعلنًا لهم ألوهةَ المسيح. إنّه لا يقبل أن يذهبوا إلى الأبديّة من دون أن يستنيروا ويعرفوا الإله الحقيقيّ.
والكثيرون عبر العصور، حالهم كاليهود، لم يقبلوا ألوهة المسيح لدواعٍ لاهوتيّةٍ أو دينيّةٍ أو عقائديّة في وقتٍ يؤمنون بالله ويحترمون المسيح كنبيّ أو كمُعلّم أو كمُصلِح. ويقف إلى جانب هؤلاء المُلحدون والمادّيّون والإنسانيّون واللاأدريّون وأتباع الفلسفات المتنوّعة غير معترفين، أو غير مكترثين، أو رافضين أن يكون يسوع المسيح إلهًا مباركًا وكائنًا على الكلّ.
واجب الّذين عرفوا أنّ المسيح هو "الْكَائِنُ عَلَى الْكُلِّ إِلهًا مُبَارَكًا إِلَى الأَبَدِ" أن يُعلنوا ذلك للعالم أجمع. لا يكون المُبشّر مُخلِصًا مع الناس إن ساوم على حقيقة المسيح مع من يرفضها. كان هَمُّ الكنيسة الأولى، والمسيحيّون الأمناء عبر العصور، أن يُبشّروا بيسوع ربًّا ومُخلِّصًا جاء بالجسد لخلاص البشر. وكان هَمُّ يوحنا الرسول الأساسيّ أنّ الّذين يرفضون المسيح آتيًا بالجسد أن يؤمنوا بأنّه "هُوَ الإِلهُ الْحَقُّ وَالْحَيَاةُ الأَبَدِيَّةُ" (1يوحنا 20:5).
التشديد على أنّ "المسيح جاء في الجسد" هو للتأكيد أنّه "الله المُتجسِّد". التلاميذ لم يُبالغوا في ادّعائهم أنّ المسيح هو الله. هم عاينوه وعرفوه عن كثب. وهو برهن لهم ألوهته بعجائبه وبكماله وبقيامته وبتصريحه المباشر أنّه "نَزَل مِنَ السَّمَاءِ"، وأنّ "الَّذي يأْتي مِن السَّمَاء هو فَوق الْجميع" (يوحنا 31:3). وهو عاد إلى السماء إلى حيث كان أوّلًا، ومنها يعود ليأخذ أحباءه إليه. المسيح "الَّذي إذْ كان في صورة اللهِ، لمْ يحْسِبْ خلْسَةً أَنْ يكون معادِلًا للهِ،" (فيلبي 6:2) بل هو كان كذلك.
"سرّ التقوى"، أو الحقيقة المركزيّة في المسيحيّة، هي أنّ المسيح هو "اللهُ (الذي) ظهر في الجسد"، وأن "كلُّ شيْءٍ به كان، وبغيْره لم يَكن شَيْءٌ ممَّا كَانَ"، وأنّ "الكلُّ بِه ولَهُ قَدْ خُلِق"، و "لأنَّ مِنْهُ وبهِ ولَه كُلَّ الأَشْياء" (يوحنا 3:1؛ رومية 36:11؛ كولوسي 16:1). وهو الّذي مات وقام وعاش "لِكي يسودَ على الأَحْياء والأَمواتِ" (رومية 9:14). نعرف كلّ ذلك من إعلان يسوع الصريح عن نفسه: "قَبْلَ أنْ يكونَ إبراهيم أنا كائن" (يوحنا 58:8). أمام إعلان الميلاد، هل تقبل المسيح "الكائن على الكلّ إلهًا مُبارَكًا إلى الأبد؟"
إقرأ مجلة "رسالة الكلمة" من الموقع: Https://www.risalatalkalima .com