"لأَنَّهُ يُولَدُ لَنَا وَلَدٌ وَنُعْطَى ابْنًا، وَتَكُونُ الرِّيَاسَةُ عَلَى كَتِفِهِ، وَيُدْعَى اسْمُهُ عَجِيبًا،
مُشِيرًا، إِلهًا قَدِيرًا، أَبًا أبديًّا، رَئِيسَ السّلام". (إشعياء 6:9)
أوحى الله للنبي إشعياء الذي عاش سنة 800 قبل الميلاد، بأنه سيولدُ في هذا العالم طفلٌ من عذراء، أي دون زرع بشر. وهذا الطفل الفريد والعظيم والجليل سيَحمِلُ أسماءً ليست مثل بقيّة البشر، فهو العجيب، والمشير، والإله القدير، والأب الروحي للأبديّة ورئيس السّلام. نلاحظ هنا أن أسماء هذا الطفل هي في الواقع أسماء الله القدوس:
فالله هو العجيب في وجوده، وسلطانه، وحكمته، وقدرته، وجلال مجده. كذلك الله وحده المشير، فكلّ حكمة ومشورة وعلم ومعرفة هي في الله ومن الله. كذلك فإنه لا يوجد إله إلا الله، ومع أن الترجمة العربية تقول "إلهًا قديرًا" والتي قد يسيء القارئ فهمها، إلّا أنّها في الأصل العبري (إيل جبود) وتعني "الله القدير"، فهو وحده القادر أن يأخذ المبادرة ويأتي إلى العالم بصورة إنسان وذلك حتى يخلّص النّاس جميعًا بدافع من محبّته الأبديّة لهم. وكذلك سيُدعى هذا الطفل باسم "أبا الأبديّة". نقرأ في معظم الترجمات عبارة "أبًا أبديًّا" وليس "أبا الأبديّة". صحيح أنّ الأصل العبري (أبيعاد) يمكن أن يُترجم بالطّريقتين، ولكن الرّب يسوع المسيح، أي الابن أو الكلمة، هو الّذي تجسّد وليس الآب، لذلك يجب ترجمة الأصل العبري بعبارة "أبا الأبديّة". وهذا الاسم الفريد لربِّ المجد يسوع يعلّمنا ويذكّرنا بأنّ الحياة الأبديّة تقع تحت سلطانه. والاسم الأخير للطفل الذي تنبّأ إشعياء بولادته هو "رئيس السّلام"، فالرّب يسوع المسيح - له كلّ المجد - لم يأتِ فقط ليعطينا السّلام، بل ليكون هو السّلام مُجسَّدًا في صورة إنسان.
كلّ من يتابع أخبار العالم سيقول متسرّعًا: ولكن أين السّلام؟ وكيف يكون المسيح المبارك "رئيس السّلام" في حين أن ما يجري في العالم هو العكس تمامًا؟ فأخبار الحروب والصراعات الوطنيّة والعرقيّة والدينيّة والاجتماعيّة هي التي تطغى على وسائل الإعلام المختلفة. أجل، كيف نفهم أن الرّب يسوع المسيح وُلِدَ ليعطينا السّلام وأنّه في ذات الوقت رئيس السّلام، مع أن السّلام مفقود بين الدول، والشعوب، والأعراق، وأصحاب الديانات المختلفة.
يشير اسم "رئيس السّلام" إلى حقيقة واقعيّة يختبرها ويعيش بها يوميًّا ملايين المؤمنين في هذا العالم. فالرّبّ يسوع المسيح لم يولدْ ليعطي العالم سلامًا بالمفهوم السياسيّ، بل على العكس تمامًا، حيث نقرأ في نفس نبوءة إشعياء: "ليس سلامٌ، قال إِلهي، للأَشرار". (إشعياء 21:57) أما للأبرار وللمؤمنين فهو يقول: "سَلاَمٌ سَلاَمٌ لِلْبَعِيدِ وَلِلْقَرِيبِ". (إشعياء 19:57) ويقول أيضًا للسالكين في طرق القداسة: "لأَنَّكُمْ بِفَرَحٍ تَخْرُجُونَ وَبِسَلاَمٍ تُحْضَرُونَ". (إشعياء 12:55) فسلام الله لا يمكن أن يُقارَن بسلام العالم القائم على توازن الرعب والخوف وترسانات أسلحة الدمار الشامل.
قال الرّبّ يسوع: "سَلَامًا أَتْرُكُ لَكُمْ. سَلاَمِي أُعْطِيكُمْ. لَيْسَ كَمَا يُعْطِي الْعَالَمُ أُعْطِيكُمْ أَنَا. لاَ تَضْطَرِبْ قُلُوبُكُمْ وَلاَ تَرْهَبْ". (يوحنا 27:14)فسلام الرّب يسوع ليس مثل سلام العالم المزيّف، بل هو اختبار حقيقيّ يعيشه الإنسان كلّ لحظة من أيّام حياته، وذلك عندما يتوب عن خطاياه، ويقبل الخلاص الذي يقدّمه الله لنا عندما نؤمن بموت المسيح على الصّليب من أجل خطايانا. إن سلام الله هو العيش بثقة ويقين وطمأنينة بأن حياتنا هي بين يديّ الله، وبالتالي نعيش بسكون وهدوء وراحة نفس دون أي خوف أو قلق أو فكر يشوّش حياتنا وينغّص علينا. سلام الرّب يسوع هو حالة قلبيّة وجدانيّة يعيشها الإنسان المؤمن دون خوف من المستقبل أو من الموت.
فهل لديك سلام في قلبك؟ أم تخاف من المرض والفقر والموت وما يأتي بعد الموت؟ وهل تريد أن تتحرّر حقًّا من تلك المخاوف؟
إذا كانت هذه رغبة قلبك الحقيقيّة، فاطلب من الله أن يطهّرك بدم المسيح، واقرأ الإنجيل المقدّس كلّ يوم، وصلِّ من قلبك كلّ يوم لله المحبّ، وتأكّد بأنّ سلام الله سيفيض في حياتك دائمًا.