هذا الاسم مشتق إما من الأصل العبري "إيل" ومعناه القوة، أو من الأصل العبري "إلاه" ويعني الحلف أو المعاهدة.
ثم إن اسم الجلالة "إلوهيم" هو جمع للمفرد "إيل"، وهذا دلالة على الثالوث الأقدس "الآب والابن والروح القدس." ذكر هذا الاسم 2555 مرة في وصف الله في الكتاب المقدس، والفعل الذي ورد بعدها جاء بصيغة المفرد.
ثم استخدمت هذه الكلمة في وصف بعض الأصنام، غير أن ذكرها هكذا بلغ 245 مرة، وفي كل مرة بدون استثناء ورد الفعل الذي يليها بصيغة الجمع ليس للدلالة على التثليث بل للإجلال والتعظيم، غير أن دراسة بسيطة للغة العبرية تبين أن هذه اللغة لا تستخدم صيغة الجمع للإجلال.
وقال آخرون: إن إلوهيم بصيغة الجمع لا تدل على التثليث بل إنها هكذا لتقوية المعنى. فالماء والحياة يردان بصيغة الجمع. غير أن نظرة بسيطة توضح أننا كبشر لا يمكننا بأي حال من الأحوال تقوية معنى "الله" غير المحدود.
وهكذا نرى أن فكرة التثليث واضحة جدًا في بعض عبارات الكتاب المقدس.
ففي تكوين 26:1 "وقال الله (الرب الإله): نعمل الإنسان على صورتنا كشبهنا."
وفي مزمور 1:110 "قال الرب لربي: اجلس عن يميني حتى أضع أعداءك موطئًا لقدميك."
وفي عبرانيين 21:7-22 "وأما هذا فبقسم من القائل له: ‘أقسم الرب ولن يندم، أنت كاهن إلى الأبد على رتبة ملكي صادق.’ على قدر ذلك قد صار (يسوع) ضامنًا لعهد أفضل."
أولاً: إيل - الله الخالق القدير
نقرأ في تكوين 1:1 "في البدء خلق الله (إلوهيم) السماوات والأرض." وفي تثنية 17:10 "لأن الرب إلهكم هو (إلوهيم) إله الإلهة ورب الأرباب، الإله العظيم الجبار المهيب." وفي نحميا 6:9 حين وقف اللاويون على الدرج صارخين بصوت عظيم "أنت هو الرب (إلوهيم) وحدك. أنت صنعت السماوات وسماء السماوات وكل جندها، والأرض وكل ما عليها، والبحار وكل ما فيها، وأنت تحييها كلها. وجند السماء لك يسجد."
وفي أيوب 7:26-8 "يمدّ الشمال على الخلاء، ويعلّق الأرض على لا شيء. يصرّ المياه في سحبه فلا يتمزق الغيم تحتها."
ونقرأ في إشعياء 6:9-7 "لأنه يولد لنا ولد ونُعطى ابنًا، وتكون الرياسة على كتفه، ويُدعى اسمه عجيبًا، مشيرًا، إلهًا قديرًا (إلوهيم)، أبًا أبديًا، رئيس السلام. لنمو رياسته، وللسلام لا نهاية." وقال الرسول بولس في أعمال 23:17-24 "لأنني بينما كنت أجتاز وأنظر إلى معبوداتكم، وجدت أيضًا مذبحًا مكتوبًا عليه: ‘لإله مجهول’. فالذي تتّقونه وأنتم تجهلونه، هذا أنا أنادي لكم به. الإله (إلوهيم) الذي خلق العالم وكل ما فيه، هذا، إذ هو رب السماء والأرض، لا يسكن في هياكل مصنوعة بالأيادي." قال هذا للأثينيين في وسط أريوس باغوس، ثم أضاف قائلاً في عدد 28: "لأننا به نحيا ونتحرك ونوجد."
ونقرأ في كولوسي 16:1-17 "فإنه فيه خُلق الكل: ما في السماوات وما على الأرض، ما يُرى وما لا يُرى، سواء كان عروشًا أم سيادات أم رياسات أم سلاطين. الكل به وله قد خُلق. الذي هو قبل كل شيء وفيه يقوم الكل."
هذا إلوهيم الإله الخالق القدير القادر على كل شيء.
ثانيًا: إلوهيم إله العهد
قصة أخنوخ
نقرأ في الأصحاح الخامس من سفر التكوين: "وسار أخنوخ مع الله." وما أن بلغ سن الخامسة والستين حتى وُلد له ابن دعاه "متوشالح،" ومعناه سيحدث طوفان رهيب عند موت هذا الإنسان.
وكان أخنوخ يعبد الله ويصدقه، وعاش بعد ولادة هذا الابن 300 سنة. في نهاية حياة أخنوخ نُقل إلى الأبدية دون أن يرى الموت. وعاش متوشالح 969 سنة، وهو أطول عمر إنسان ذكر في الكتاب المقدس وفي التاريخ. ولقد عاش كل هذا العمر دلالة أكيدة على رحمة الله وطول أناته، لأنه لم يرد أن يفني هذا العالم. غير أن شر الإنسان قد كثر في الأرض فحزن الرب أنه عمل الإنسان (تكوين 6:6)، ومتوشالح هذا هو جد نوح.
نرى في هذه القصة عهدين لله، أحدهما مع أخنوخ الذي نقله للأبدية دون أن يرى الموت، وعهد ضمني مع متوشالح بأن الطوفان الذي سيأتي لا يحدث في حياته بل بعد موته.
قصة نوح
قال الله عن نوح في تكوين 9:6 "كان نوح رجلاً بارًا كاملاً في أجياله. وسار نوح مع الله." وفي عدد 8 نقرأ: "وأما نوح فوجد نعمة في عيني الرب." وفي الأعداد 13-14، و17-18 نقرأ: "فقال الله لنوح: ‘نهاية كل بشر قد أتت أمامي، لأن الأرض امتلأت ظلمًا منهم. فها أنا مهلكهم مع الأرض. اصنعْ لنفسك فلكًا من خشب جفر... فها أنا آتٍ بطوفان الماء على الأرض لأهلك كل جسد فيه روح حياة من تحت السماء. كل ما في الأرض يموت. ولكن أقيم عهدي معك، فتدخل الفلك أنت وبنوك وامرأتك ونساء بنيك معك.’"
فآمن نوح بكل كلام الله رغم أنه لم يحدث طوفان على الأرض قبل هذا الوقت. وابتدأ يبني الفلك على الأرض بعيدًا عن أي بحر أو بحيرة. وصدّق نوح كلام الرب رغم غرابته، ونجا نوح وعائلته من الطوفان. ولما خرج نوح من الفلك بنى مذبحًا للرب، وأخذ من كل البهائم الطاهرة ومن كل الطيور الطاهرة، وأصعد محرقات على المذبح. ونقرأ في تكوين 21:8 "فتنسّم الرب رائحة الرضا. وقال الرب في قلبه: ‘لا أعود ألعن الأرض أيضًا من أجل الإنسان، لأن تصوّر قلب الإنسان شرير منذ حداثته. ولا أعود أيضًا أميت كل حي كما فعلت.’" وقال الله في تكوين 11:9-17 "‘أقيم ميثاقي معكم فلا ينقرض كل ذي جسد أيضًا بمياه الطوفان. ولا يكون أيضًا طوفان ليخرب الأرض.’ وقال الله: ‘هذه علامة الميثاق الذي أنا واضعه بيني وبينكم، وبين كل ذوات الأنفس الحية التي معكم إلى أجيال الدهر: وضعت قوسي في السحاب (قوس قزح) فتكون علامة ميثاق بيني وبين الأرض. فيكون متى أنشر سحابًا على الأرض، وتظهر القوس في السحاب، أني أذكر ميثاقي الذي بيني وبينكم وبين كل نفس حية في كل جسد. فلا تكون أيضًا المياه طوفانًا لتهلك كل ذي جسد. فمتى كانت القوس في السحاب، أبصرها لأذكر ميثاقًا أبديًا بين الله وبين كل نفس حية في كل جسد على الأرض.’ وقال الله لنوح: ‘هذه علامة الميثاق الذي أنا أقمته بيني وبين كل ذي جسد على الأرض.’"
هذا هو إلوهيم إله العهد الأمين رغم عدم أمانتنا.
قصة إبراهيم
تبدأ قصة إبراهيم في تكوين 12 عندما قال الرب (إلوهيم) لأبرام: "اذهب من أرضك ومن عشيرتك ومن بيت أبيك إلى الأرض التي أريك. فأجعلك أمة عظيمة وأباركك وأعظّم اسمك، وتكون بركة. وأبارك مباركيك، ولاعنك ألعنه. وتتبارك فيك جميع قبائل الأرض." فخرج أبرام من أور الكلدانيين ومعه تارح أبوه ولوط ابن أخيه وذهب إلى حاران وبقي هناك سنتين حتى مات تارح أبوه، ومعنى اسم تارح في العبرية تأخير.
وهكذا فقد خرج أبرام من أور الكلدانيين آخذًا أباه تارح الذي تسبّب في تأخيره عن الذهاب إلى أرض الموعد. وأخذ أيضًا معه لوطًا ابن أخيه لأنه قال في نفسه: لقد صرت طاعنًا في السن، وزوجتي تقدّمت بها الأيام، لذلك سيكون لوط هو وريثي الوحيد بعد أن ينتهي بي العمر، وتنقضي بي الحياة. نرى في هذا أن أبرام لم يسمع كلام الله حرفيًا، فقد سبّب له هذا العصيان مشاكل كثيرة في الحياة.
أولاً، التأخير الذي كان تارح أبوه سببًا فيه، جعله يصل إلى أرض الموعد في زمن مجاعة في الأرض.
ثانيًا، لم يستشر أبرام الله في الأمر، بل انحدر إلى مصر ليتغرّب هناك وقد كان هذا بالنسبة له انحدارًا حقيقيًا.
ونحن نرى أنه قد حدث أمران لأبرام في مصر:
الأول، هو أن فرعون ملك مصر اشتهى سارة امرأة أبرام رغم أن عمرها كان 65 سنة، وأخذها لتكون زوجة له. وبتدخل إلهي عجيب أرجع فرعون سارة لأبرام وأعطاه غنى جزيلاً وأعطى سارة جارية جميلة اسمها هاجر، أخذتها معها فأصبحت لها شوكة في جنبها.
الثاني، هو أن لوطًا وزوجته قد أُعجبا جدًا بالحياة في مصر، إذ بعد خروجهما من أرض مصر لم تخرج مصر من قلبيهما، وكانت سبب شجار ومخاصمة بين لوط وأبرام. بعدها اختار لوط منطقة سدوم وعمورة إذ يقول الكتاب في تكوين 10:13 "فرفع لوط عينيه ورأى كل دائرة الأردن أن جميعها سقي، قبلما أخرب الرب سدوم وعمورة، كجنة الرب، كأرض مصر." وهكذا نرى نتائج انحدار أبرام إلى مصر كما ظهرت في الكتاب المقدس.
نقرأ في الأصحاح الخامس عشر بعد موت تارح، وبعد انعزال لوط عن أبرام، وذهابه إلى سدوم وعمورة: "صار كلام الرب إلى أبرام في الرؤيا قائلاً: ‘لا تخف يا أبرام. أنا ترس لك. أجرك كثير جدًا.’" وفي نهاية هذا الأصحاح قطع الرب مع أبرام ميثاقًا قائلاً: "لنسلك أعطي هذه الأرض، من نهر مصر (ليس نهر النيل بل نهر صغير موجود عند "رفح" في حدود مصر) إلى النهر الكبير، نهر الفرات."
ثم نقرأ في الأصحاح السادس عشر من سفر التكوين، بعد مرور السنين دون أن يكون لأبرام وساراي نسل، عن محاولة أبرام وساراي أن يساعدا الله، فأعطت ساراي أبرام هاجر المصرية جاريتها ليدخل عليها، فحبلت الجارية وولدت إسماعيل، وحدثت مشاجرة بين سارة وجاريتها.
مع جميع هذه الأخطاء التي اقترفها أبرام، نجد أن الرب ظهر له مرة أخرى في الأصحاح السابع عشر وقال له: "أنا الله القدير. سر أمامي وكن كاملاً، فأجعل عهدي بيني وبينك، وأكثّرك كثيرًا جدًا." ثم غيّر الله اسم أبرام إلى إبراهيم الذي يعني "أب لجمهور كبير" من الأمم، وغيّر اسم ساراي إلى سارة. كان اسم ساراي يعني "مشاجرة" أما سارة فيعني "أميرة."
ثم نقرأ في الكتاب أن إبراهيم رفع عينيه إلى فوق ثلاث مرات. هذه العبارة لا تعني نظرة جسدية فقط، بل تعني نظرة روحية أيضًا.
وردت المرة الأولى في تكوين 14:13 عندما قال الرب لأبرام: "ارفع عينيك وانظر من الموضع الذي أنت فيه شمالاً وجنوبًا وشرقًا وغربًا، لأن جميع الأرض التي أنت ترى لك أعطيها ولنسلك إلى الأبد."
ووردت المرة الثانية في تكوين 4:22 "وفي اليوم الثالث رفع إبراهيم عينيه وأبصر الموضع من بعيد،" الذي كان مزمعًا أن يقدّم فيه ابنه إسحاق محرقة. نظر إلى جبل المريّا روحيًا عبر الأجيال ورأى يسوع المسيح يقدَّم ذبيحة نيابة عن العالم الشرير.
أما المرة الثالثة فجاءت في تكوين 13:22 "فرفع إبراهيم عينيه ونظر وإذا كبشٌ وراءه ممسَكًا في الغابة بقرنيه." رأى في هذا الكبش بعينيه الروحية حمل الله الذي يرفع خطية العالم.
قال الرب يسوع للجموع: "أبوكم إبراهيم تهلل بأن يرى يومي فرأى وفرح." ونجد في عبرانيين 17:11 الإجابة عن السؤال الذي يدور دائمًا في مخيلتنا عن إبراهيم، وكيفية قدرته على اجتياز الامتحان الذي امتحنه الله به إذ نقرأ: "بالإيمان قدّم إبراهيم إسحاق وهو مجرّب. قدّم الذي قَبِل المواعيد، وحيده الذي قيل له: إنه ‘بإسحاق يُدعى لك نسل’. إذ حسب أن الله قادر على الإقامة من الأموات أيضًا، الذين منهم أخذه أيضًا في مثال." بعبارة أخرى، آمن إبراهيم بإلوهيم إله المواعيد، ووثق بأن الذي وعد هو صادقٌ، فإذا فقد إسحاق فإن الله - إله المواعيد – قادر على إقامته من الأموات.