الفصل التاسع: يهوه (إيل) شدّاي
الله الـمُغني – إله كل بركة
Jehova El-Shaddi
الله القوي الذي يعلن بأنه يكثرنا ويباركنا. وهنا نجد شفقة الله علينا كالأم المرضعة؛
وربما هذه الكلمة "شدّاي" مأخوذة من الكلمة العبرية "ثدي" التي تعني التغذية والشبع حتى الامتلاء. وقد وردت هذه الكلمة 48 مرة في العهد القديم وتُكتب حروفها كبيرة LORD. والجدير بالذكر أنها جاءت لأول مرة في تكوين 3:28 "والله القدير (إيل شدّاي) يباركك، ويجعلك مثمرًا، ويكثِّرك فتكون جمهورًا من الشعوب." وجاء في تكوين 11:35 وقال الله ليعقوب: "‘أنا الله القدير (إيل شدّاي). أثمِر واكثر. أمة وجماعة أمم تكون منك، وملوك سيخرجون من صلبك.’" وفي تكوين 3:48-4 "قال يعقوب ليوسف: ‘الله القادر على كل شيء (إيل شدّاي) ظهر لي في لوز، في أرض كنعان، وباركني. وقال لي: ‘ها أنا أجعلك مثمرًا وأكثّرك، وأجعلك جمهورًا من الأمم.’"
نقرأ في قصة بلعام بن بعور في سفر العدد 4:24–6 "وحي الذي يسمع أقوال الله (إيل شدّاي)، الذي يرى رؤيا القدير، مطروحًا وهو مكشوف العينين: ما أحسن خيامك يا يعقوب، مساكنك يا إسرائيل! كأودية ممتدّة. كجنّات على نهر، كشجرات عود غرسها الرب. كأرزات على مياه."
نقرأ في عدد 9 "جثم كأسد. ربض كلبوة. من يقيمه؟ مباركك مبارك، ولاعنك ملعون." وجاء في أيوب 10:42 "وردّ الرب سبي أيوب لما صلّى لأجل أصحابه، وزاد الرب على كل ما كان لأيوب ضعفًا." ذلك لأنه إيل شدّاي.
نجد في سفر راعوث أن نعمي فقدت كل شيء، غير أننا نجد في أصحاح 14:4 "فقالت النساء لنعمي: ‘مبارك الرب (إيل شدّاي) الذي لم يعدِمْكِ وليًّا اليوم لكي يُدعى اسمه في إسرائيل.’ ... ودعَوْن اسمه عوبيد. هو أبو يسّى أبي داود" الذي جاء يسوع من ذريته.
ما أروع الانتصار في النهاية! فبعد أن تكون جميع الأحداث ضدّك، لا تصبح أنت مباركًا فقط، بل تكون بركة لكل الأجيال.
تتكوّن "إيل شدّاي" من مقطعين: هما "إيل" و "شدّاي."
إيل: الله القوي، الذي جاء لأبرام في تكوين 1:15 وقال له في رؤيا: "لا تخفْ يا أبرام. أنا ترس لك. أجرك كثير جدًّا." وكان عمر أبرام 75 سنة. ثم في تكوين 1:17 جاء ثانية لأبرام الذي بلغ من العمر تسعة وتسعين عامًا وقال له: "أنا الله (إيل) القدير. سر أمامي وكن كاملاً."
هذا والجدير بالذكر أن مضت أربع وعشرون سنة منذ اللقاء الأول بين الله القدير وأبرام حين وعده الله قائلاً: "لا يرثك هذا (أي اليعازر الدمشقي)، بل الذي يخرج من أحشائك هو يرثك." ثم في عدد 5 أخرجه إلى خارج وقال "إيل شدّاي": "انظر إلى السماء وعُدَّ النجوم إن استطعت أن تعدَّها.’ وقال له: ‘هكذا يكون نسلك.’" ثم يقول الكتاب في عدد 6 "فآمن بالرب فحسبه له برًا."
ثم بمرور الأيام، نسي إبراهيم الوعد، ورغب هو وساراي زوجته أن يساعدا القدير، فدخل على هاجر وولدت له ابنًا دعا اسمه إسماعيل، وقال سمع الله لي وأعطانى نسلاً. لكن في تكوين 17 وبعد مرور 24 سنة جاءه القدير ثانية وقال له في عدد 19: "بل سارة امرأتك تلد لك ابنًا وتدعو اسمه إسحاق (الضحك). وأقيم عهدي معه عهدًا أبديًّا لنسله من بعده."
ولأن إبراهيم لم ينتظر الرب حتى يفي بوعده بل استعجل الأمور، خرجت من أحشائه أمتان: أمة إسماعيل، وأمة إسحاق، وهما لا تزالان في نزاع مستمر منذ ذلك الحين وحتى اليوم.
ثم نجد في دانيآل 21:6-22 أن دانيآل قد خالف أمر الملك ولم يسجد لتمثال الذهب، فأُلقي في جب الأسود، لكنه أجاب الملك قائلاً: "... يا أيها الملك، عش إلى الأبد! إلهي (إيل) أرسل ملاكه وسدّ أفواه الأسود فلم تضرّني، لأني وُجدْت بريئًا قدّامه، وقدّامك أيضًا أيها الملك، لم أفعل ذنبًا."
شدّاي: ومعناه البركة المشبعة. لم تكن هذه التسمية غريبة على القدماء الذين عبدوا الأصنام ودعوها "شدّيم" وهي جمع لكلمة (شدّاي). واعتبروا هذه الآلهة رمزًا للمطر الذي يروي الأرض فتعطي ثمرها للإنسان والحيوان، وقد كان جسد الإلهة ديانا (أرطاميس الأفسسيين) مغطّى بثدي كثيرة رمز الرخاء الذي تجلبه لعابديها. وقد جاء تحت رسم الإلهة ديانا في إحدى الكتابات القديمة "أم كل شيء."
هذا ويُطلق على الحقل الأخضر كلمة (ساده) وهي مأخوذة عن الأصل "شدّاي." والحقل الأخضر المتوّج بالثمر يغذّي الإنسان ويشبعه. وفي مزمور 5:103 نقرأ "الذي يشبع بالخير عمرك."
وفي تكوين 5:17-6 نجد أن الرب غيّر اسم أبرام إلى إبراهيم، وهذا معناه: "لأني أجعلك أبًا لجمهور من الأمم." وقال له: "وأثمرك كثيرًا جدًّا، وأجعلك أممًا، وملوك منك يخرجون."
ويوجد في هذا الاسم معنى هام جدًّا، فإلى جانب القوة والبركة، إنه أيضًا إله التأديب. وهذا الموضوع حساس جدًا. لكن لا بد من طرحه الآن. فالتأديب جزء لا يتجزّأ من صفات الله الكاملة. ولذا فنحن نقرأ في أمثال 1:13 "الابن الحكيم يقبل تأديب أبيه، والمستهزئ لا يسمع انتهارًا." وفي أمثال 18:13 "فقر وهوان لمن يرفض التأديب (عكس البركة)." وفي أمثال 25:24 "أما الذين يؤدَّبون فينعمون، وبركة خير تأتي عليهم." في أمثال 17:29 "أدّب ابنك فيريحك ويعطي نفسك لذَّات." وبما أن الأب الأرضي هو صورة للآب السماوي فنحن نجد هذه الصفة موجودة بوضوح في الرب شدّاي. وهذا جليّ مما ورد في يوحنا 1:15-2 "أنا الكرمة الحقيقيّة وأبي الكرّام. كل غصن فيّ لا يأتي بثمر ينزعه، وكل ما يأتي بثمر ينقّيه ليأتي بثمر أكثر." ونقرأ في عبرانيين 5:12–7 "وقد نسيتم الوعظ الذي يخاطبكم كبنين: ‘يا ابني لا تحتقر تأديب الرب، ولا تخرْ إذا وبّخك. لأن الذي يحبه الرب يؤدّبه، ويجلد كل ابن يقبله.’ إن كنتم تحتملون التأديب يعاملكم الله كالبنين."