أحدّثكم عن جامعة بابها مفتوح للجميع، للفيلسوف والعالِم والشخص البسيط. ترى ما هي هذه الجامعة؟
هي جامعة الصلاة؛ لقد سأل التلاميذ المسيح: "يا رب، علّمنا أن نصلّي." (لوقا 1:11) وأوصى الرسول بولس المؤمنين في أفسس بأن يصلّوا "بكل صلاة وطلبة كل وقت في الروح، وساهرين لهذا بعينه بكل مواظبة وطلبة، لأجل جميع القديسين." (18:6)
الكلّيّة الأولى: نتعلّم في هذه الكلّيّة معنى الصلاة. يقول الكتاب: "مصلّين بكل صلاة وطلبة... فما معنى الصلاة؟ وما معنى الطلبة؟
الصلاة معناها شركة مع الله، أما الطِلبة فتعني التوسّل إلى الله. ففي الصلاة نعبّر عن أشواقنا القلبيّة لله وحينئذٍ يضع الله على قلوبنا طلبات نرفعها من أجل شعبه وكنيسته.
سألْتُ مرّة فتاة صغيرة، ما هي الصلاة؟ فكان جوابها أقوى جواب: الصلاة هي رفع أشواق القلب إلى الله. وأرجو أن نتحقّق أن الصلاة هي برهان ميلادنا الجديد بالمسيح وهي برهان شركتنا معه.
كان شاول الطرسوسي يهوديًّا غيورًا جدًّا لدرجة أن غيرته جعلته يضطهد الكنيسة. وعندما ظهر له المسيح وآمن به شكّ فيه بقيّة الرسل، حتى جاء حنانيّا وقال لهم: يا إخوتي إن شاول تغيّر؛ قالوا له: ما هو البرهان؟ قال: "هوذا يصلّي." (أعمال 11:9)
عندما يولد طفل تقلق العائلة إذا لم يصرخ، لأنّ صراخ الطفل يعني أنه حيّ وهكذا الصلاة. يوجد كثيرون يُقال عنهم إنهم أعضاء في كنيسة المسيح لكنهم وُلدوا صامتين لا صوت لهم ولا حركة فهم لا يصلّون.
الكلّيّة الثانية: هي كلّيّة مواقيت الصلاة. يقول الكتاب: "مصلّين كلّ وقت." إذا كنت فرِحًا عليك أن تصلّي فيزداد فرحك اتّساعًا ورحبًا؛ وإذا كنت في ضيق عليك أن تصلّي لكي يوسّع لك الله الضيق وتستطيع أن تخرج منه إلى الفرج.
نرى بولس الرسول وقد مرّت به ظروف قاسية جدًّا، من سَجنٍ ورجم بالحجارة وأحيانًا تكسير السفينة أو وجوده بين الوحوش. ونجده يقول: "مصلّين كلّ وقت."
ما معنى أن نصلّي كل وقت؟ ليس معناها أنك تصلّي عددًا محدّدًا من المرّات. لكن الصلاة هي الإحساس بالتواجد في الحضور الإلهي.
الصلاة هي تمرين عضلات النفس في الصباح، والظهر، ووقت الطعام، وعند النوم، وفي الليل، وفي اليقظة وفي المنام. كما قال داود في أحد مزاميره: "أما أنا فصلاة".
الكلّيّة الثالثة: هذه الكلّيّة تعرّفنا معنى "سموّ الصلاة". يقول بولس الرسول: "كلّ وقتٍ في الروح". ويفسّر يعقوب الرسول هذا القول: "تطلبون ولستم تأخذون، لأنكم تطلبون رديًّا لكن تُنفقوا في لذّاتكم." إن الجانب الأكبر من صلواتنا مرفوضٌ لأنّنا نصلّي بالجسد وفي الجسد؛ لهذا يوصينا الرسول أن نصلّي في الروح. لماذا؟ لأنّ روح الله يعرف فكر الله.
إن أردت أن تصلّي حسب إرادة الله يجب أن تصلّي في روح الله. وكلمة "في الروح" معناها يجب أن تصلّي وأنت مولود من فوق؛ لأن "المولود من الجسد جسد هو، والمولود من الروح هو روح".
يجب أن نولد من الله قبل أن نتقدّم إليه. ويوجد فرق كبير بين أن تتقدّم إلى الله وأنت ابنٌ وبين أن تتقدّم إليه وأنت عبدٌ له. وإني أؤكّد لك أنّك ما دمت تصلّي في الروح فلا بدّ أن الله يسمع صلاتك لأنّ الروح يُملي عليك إرادة الله وبالتالي تستطيع أن تطلب من الله بثقة وحسب مشيئته.
مثلاً، عندما تصلّي: "يا رب، اشفِ ابني"؛ سيشفيه الرب من المرض. لكن ما قولك إن كان ابنك غارقًا في الحضيض؟ أليسَ من الأفضل أن تصلّي لخلاص ابنك ليعطيه الله حياة أبديّة؟ لذلك فالروح يعلم ما هو فكر الله. فالروح يُعين ضعفاتنا ويُكمِل نقائصنا ويعلّمنا كيف نُصلّي.
الكلّيّة الأخيرة
تعلّمنا هذه الكلّيّة غرض الصلاة؛ إذ يقول الكتاب "لأجل كلّ القدّيسين".
أؤكد لك حين تصلّي لأجل غيرك تنال أنت البركات. إن أجمل آية في سفر أيوب هي الآية التي بلغ بها أيوب الذروة وعندها تمّ الشفاء "وردَّ الرب سبي أيوّب لمّا صلّى لأجل أصحابه، وزاد الرب على كل ما كان لأيّوب ضعفًا." (أيوب 10:42) هنا نجد المفتاح للبركة، حين كان أيوب مشغولاً بنفسه كان بائسًا ولكن حين صلّى لأجل غيره، زالت عنه البلايا وتحوّلت إلى نعم.
يا من تجعل نفسك محور الدائرة، ستظلّ مضطربًا ومنزعجًا. غيّر الاتجاه من نفسك إلى الآخرين؛ صلِّ لأجل الآخرين وعندئذ يُعطيك الله سؤلك قبلما يُعطي الآخرين.
أحبائي، لم يُخلَق أحدٌ منّا لذاته، وإنما خُلِقنا لله أوّلاً ثم خُلِقنا أيضًا للآخرين. ونجد في أمثال 25:11 "المروي هو أيضًا يُروى..."
أيها الحزين، هل أنت منقبض؟ هل أنت شاعر أن الدنيا أضيق من الخاتم الذي في إصبعك؟ بسبب هذا يقول بولس الرسول: "لستم متضايقين فينا بل متضايقين في أحشائكم". لماذا؟ لأنكم لا تفكّرون إلّا في أنفسكم.
إن كنت تجد أن أحمالك قد ثقلت وتريد أن ترفعها عنك، اِمضِ إلى حزنِ غيرك وحاول أن تخفّف عنه أحزانه، وإذا بأحزانك أنت تزول من تلقاء نفسها.
حين سؤل قايين قاتل أخيه عنه، قال: "أحارسٌ أنا لأخي؟" إن علامة الموت أنّك لا تسأل عن أخيك؛ في حين أن علامة الحياة أنّك قبل كلّ شيء وبعد كلّ شيء تسأل عن أخيك.
وفي الختام بعد أن دخلنا جامعة الصلاة أدعوكم أن تدخلوا معي تلك الجامعة عن طريق الميلاد الجديد.
"... إن كان أحد ليس له روح المسيح، فذلك ليس له... الروح نفسه يشهد لأرواحنا أنَّنا أولاد الله". (رومية 9:8، 16) "ونعلم أن الله لا يسمع للخطاة. ولكن إن كان أحدٌ يتّقي الله ويفعل مشيئته، فلهذا يسمع". (يوحنا 31:9)