يُحكى أنّ متّى هنري، صاحب التفاسير الشهيرة للكتاب المقدّس، وقع ذات مرة ضحيّة لصوص سرقوا محفظته في أحد الأماكن العامّة.
ففكّر قليلًا، ثمّ بدأ يشكر الربّ قائلًا: "أشكرك يا ربّ لأنّهم أخذوا محفظتي لكن لم يكن فيها الكثير من المال، وأشكرك لأنّي لم أتعرّض للسرقة قبل الآن، ولأنّي لست أنا السارق بل المسروق، كما أشكرك لأنّهم أخذوا محفظتي لكنّهم لم يأخذوا حياتي".
لقد وجد هذا الإنسان شيئًا يشكر عليه، وتحلّى بقوّة التفكير الإيجابي الذي يقدّر البركة وسط الضيق. فمن الناس من يتذمّر لأنّ الله وضع شوكًا في الورود؛ ومنهم من يشكر لأنّ الله وضع وردًا في الأشواك.
يقول الكتاب: "وَفِيمَا هُو (يسوع) دَاخِلٌ إِلَى قَرْيَةٍ اسْتَقْبَلَهُ عَشَرَةُ رِجَال بُرْصٍ، فَوَقَفُوا مِنْ بَعِيدٍ وَرَفَعوُا صَوْتًا قَائِلِينَ: [يَا يَسُوعُ، يَا مُعَلِّمُ، ارْحَمْنَا!]. فَنَظَرَ وَقَالَ لَهُمُ: [اذْهَبُوا وَأَرُوا أَنْفُسَكُمْ لِلْكَهَنَةِ]. وَفِيمَا هُمْ مُنْطَلِقُونَ طَهَرُوا. فَوَاحِدٌ مِنْهُمْ لَمَّا رَأَى أَنَّهُ شُفِيَ، رَجَعَ يُمَجِّدُ اللهَ بِصَوْتٍ عَظِيمٍ، وَخَرَّ عَلَى وَجْهِهِ عِنْدَ رِجْلَيْهِ شَاكِرًا لَهُ، وَكَانَ سَامِرِيًّا. فَأجَابَ يَسُوعُ وَقَالَ: [أَلَيْسَ الْعَشَرَةُ قَدْ طَهَرُوا؟ فَأَيْنَ التِّسْعَةُ؟ أَلَمْ يُوجَدْ مَنْ يَرْجِعُ لِيُعْطِيَ مَجْدًا لله غَير هذا الْغَرِيبِ الْجِنْسِ؟] ثُمَّ قَالَ لَهُ: [قُمْ وَامْضِ، إِيمَانُكَ خَلَّصَكَ]. (لوقا 11:17-19)
ما هي مواصفات القلب الشاكر؟
1. يتميّز رغم الألم المشترك
لقد جمع البرص بين اليهود والسامريّين بمن فيهم هؤلاء العشرة المصابين، فالضّيق يوحِّد البشر، والألم عامل تقريب بين البعيدين. صحيح أنّهم يختلفون عرقيًا لكنهم جميعًا أصيبوا بمرض جلديّ معدٍ يتطلّب انفصال المريض عن المجتمع، فالأبرص يعتزل خارج المدينة، ولهذا السبب استقبل البرص العشرة المسيح أوّلًا إذ كانوا خارجًا، وكلّما فصلك الضيق عن الناس زاد قربك من الربّ وزاد قرب الربّ منك.
كان السامريّون شعبًا مخلوطًا عرقيًّا بين اليهود والأمم، وكانت ديانتهم مزيجًا من عبادة الربّ والأوثان، وطّنهم الآشوريّون في فلسطين بعد سبي المملكة الشماليّة. واليهود لا يتعاملون مع السامريّين- وبين الشعبين عداوة محكمة. لم يكن المسيّا موعودًا به لهم، لكنّه أحبّهم وخدم في وسطهم. بنى السامريون لأنفسهم هيكلًا على جبل جرزيم في قطاع السّامرة عام 400 ق. م. هدمه لهم اليهود عام 128 ق. م. الأمر الذي زاد من العداء بين الفريقين.
يقول سرجون الثاني أنّه أسكن في السامرة عربًا شماليّين عوضًا عن اليهود المسبيّين، إذا كان هذا صحيحًا ربّما نرى هنا تسعة يهود وسامريًا عربيًا واحدًا. وقد تحنّن المسيح عليهم جميعًا وشفاهم كلّهم، لكنّ السامريّ ذا الدم العربيّ وحده هو الذي رجع يشكر ويعطي مجدًا لله.
2. يرفض منطق العالم في تحليل البركة
مضى السامريّ مع البرص التسعة إلى الكاهن مع أنه ليس يهوديًّا. وبينما هو يمشي في الطريق طهر. عندها شعر بنعمة الله عليه في المسيح. ربما كان للتّسعة الآخرين تحليلاتهم الخاصّة لما جرى لهم. رفض السامريّ تحليل العالم للبركة وأقرّ بالنّعمة فأتى ساجدًا أمام المسيح شاكرًا يمجّد الله بصوت عظيم. علينا كمؤمنين أن نتدرّب لنتمتّع بحساسيّة تدعو للشكر على أبسط الأشياء التي تحدث لنا. لقد تعوّدنا على الكثير من الأشياء من حولنا، وأصبحنا نراها جزءًا من الواقع لا نعمة. يجب أن نفكّر قليلًا في الحالة التي تنشأ عندما لا تكون هذه الأمور متوافرة لدينا. فنحن لا نقدّر قيمة الكهرباء مثلًا حتى تنقطع، ولا قيمة للصحة إلّا عندما نُحرَم منها. والعالم يحلّل البركات التي يحصل عليها من منطلق الطبيعة والمصادفة والاستحقاق لكنّ القلب الشاكر يرى يد الله الخيِّرة وراء كلّ شيء، ويشكره بالتالي على كلّ شيء.
ربما ظنّ بعضهم أنهم أصيبوا بالبرص ظلمًا والآن صحّح الرب وضعهم ليرجع طبيعيًّا، وربما ظنّوا أنهم شفوا بشكلٍ طبيعيّ لأن المسيح لم يمسّهم كغيرهم من المرضى. وقد يكون تقدّمهم في السير بسبب رغبتهم في اللقاء بعائلاتهم قبل كل شيء. لعل السبب الأول هو النسيان، فإن 90% من البُرص نسوا المُعطي وفرحوا بالعطيّة، أما السامري فيمثِّل 10% من الناس الذي يتحلّون بالشكر، وينالون بركة مضاعفة إذ يتواصلون مع صاحب البركات. وهكذا بقي المسيح بالنّسبة للأكثرية مجرّد معلّم صالح، لكنّه أصبح بالنّسبة لذلك السامريّ الرّاجع مخلّصًا، فقال له، "إيمانك خلّصك."
هل نشكره على الطعام؟
فالمسيح شكر وبارك قبل أن يقدّم الطعام للناس، لأنه عطيّة من عنده. "لأَنَّ كُلَّ خَلِيقَةِ اللهِ جَيِّدَةٌ، وَلاَ يُرْفَضُ شَيْءٌ إِذَا أُخِذَ مَعَ الشُّكْرِ لأَنَّهُ يُقَدَّسُ بِكَلِمَةِ اللهِ وَالصَّلاَةِ". (اتيموثاوس 4:4)
وهل نشكره على الخدمة؟
يا له من امتياز أن نكون عاملين مع الله كما قال بولس لتيموثاوس: "وَأَنَا أَشْكُرُ الْمَسِيحَ يَسُوعَ رَبَّنَا الَّذِي قَوَّانِي، أَنَّهُ حَسِبَنِي أَمِينًا، إِذْ جَعَلَنِي لِلْخِدْمَةِ". (اتيموثاوس 12:1)
هل نشكر الله من أجل الآخرين حتى المُزعجين منهم؟
لولاهم لما تعلّمنا الصبر والتواضع. أخبرنا أحد القسس مرّة أنه سمع أحد الإخوة يصلّي شاكرًا الرب الذي دعا الناس بقوله، "تعالوا إليّ يا جميع المتعِبين" وطبعًا الآية تقول، "يا جميع المتعَبين" وأضاف القس مبتسمًا، "بالحقيقة، الرب يدعو أيضًا المتعِبين" ويجب أن نشكره لأجلهم.
يُحكى أنّ إنسانًا اكتشف المخزن الذي يخبّئ فيه إبليس الحبوب التي يزرعها في قلوب البشر. فوجد أنّ غالبيّة هذه الحبوب مخصّصة لزرع الفشل في القلوب، بعد ذلك سأل إبليس عن هذا النّوع الخاص من الحبوب، قال له العدوّ بأنّ هذه هي أنفع الحبوب التي يزرعها وأنجحها على الإطلاق. لكنّه استدرك بقوله له، "يوجد قلب وحيد لا تنفع معه هذه الحبوب؛ إنّه القلب الشاكر".
نعم، القلب الشاكر في كلّ حين على كلّ شيء هو القلب الذي يأسر قلب الله. إنه القلب الذي وإن جمعه الضيق مع العالم لكنّه يبقى مميَّزًا عن الباقين، إنه قلب الإنسان الذي يعترف بسيادة الربّ المطلقة على الحياة، ويقرّ بعدم استحقاقه للبركة لكنّه ينال في المقابل نعمة أعظم وبركة مضاعفة. لقد فقدنا في مجتمعنا الحاضر المتمدّن فضيلة الشكر، فمن صفات جيل الأيّام الأخيرة في الكتاب أنّه غير شاكر ونحن معرّضون باستمرار للسلوك بحسب منطق العالم الذي لا يشكر. لكن الرّسول بولس يذكرنا موصيًا، "اشْكُرُوا فِي كُلِّ شَيْءٍ، لأَنَّ هذِهِ هِيَ مَشِيئَةُ اللهِ فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ مِنْ جِهَتِكُمْ". (اتسالونيكي 18:5)