صدِّق أو لا تصدِّق! قرأت من فترة طويلة في جريدة الأهرام التي تصدر في مصر عن امرأة بريطانية، عمرها 106 سنوات، التحقت بالجامعة لتدرس الكمبيوتر وعلوم الذاكرة.
أدهشتني هذه القصة كثيرًا! عجوزٌ تبدأ الدراسة في هذا العمر ولم تيْأسْ!
يشجّعنا الوحي المقدّس بقوله في 2تيموثاوس 7:1 "لأَنَّ اللهَ لَمْ يُعْطِنَا رُوحَ الْفَشَلِ، بَلْ رُوحَ الْقُوَّةِ وَالْمَحَبَّةِ وَالنُّصْحِ". ويقول الرسول بولس متحدّيًا كلّ الصعوبات: "أستطيع كلّ شيء في المسيح الذي يقوّيني". (فيلبي 13:4) لكن الواقع يقول: إننا نعيش في أوقات صعبة جدًّا، والحياة تضغط علينا من كل ناحية، ممّا يجعلنا نشعر باليأس والإحباط والفشل. لكن الرب يشجّعنا بقوّة في هذه الوعود فلا تفشل. ربما لم تتحقَّق أحلامك حتى الآن... أو لم تنجح في خططك ومشروعاتك، أو ربّما تعاني من صدمات كثيرة عنيفة... أو فشلت في علاقتك مع شريك الحياة... أو أنك فشلت في دراستك... أو عملك... أو خدمتك...
ربما تحيط بك اضطهادات وضيقات كثيرة وظروف صعبة لم تقدر أن تتحمّلها... ربما هرمت وابْيَضَّ شعر رأسك أو سقط كلّه، وقد بلغت سنّ الشيخوخة ولا تستطيع أن تتحرّك إلّا على كرسيٍّ متحرّك.
ربّما اقترفت خطايا كبيرة وتظنّ أنك لا تستطيع التوبة عنها، أو تظنّ أن الله لا يقبلك بعد أن أغضبته بخطاياك...
لكن الرب يشجّعك الآن بأن تقوم وتقول "لا" للفشل والإحباط واليأس، وتبدأ من هذه اللحظة بداية جديدة، فأنت لست وحدك.
هذه بعض نماذج الذين عانوا من الفشل واليأس والإحباط لكنهم قاموا ولم يدَعوا لليأس والفشل مكانًا في حياتهم وبدأوا خطوات جديدة إلى الأمام معتمدين على نعمة الرب ومتمسّكين بمواعيد الرب وقالوا: "لا" للفشل واليأس ونجحوا في حياتهم.
قصة حقيقيّة عن شخص بعد فشلٍ كبيرٍ في حياته أصيبَ بالاكتئاب، فقرّر على الانتحار من فوق قمّة جبلٍ عالٍ. وبينما هو في طريقه إلى الجبل اشترى بآخر ما لديه من مال قليلًا من "الترمس" (نوع من البقول)، وأخذ يأكله ويلقى بالقشر خلفه إلى أن وصل إلى حافة الجبل، وفجأة التفت خلفه فوجد شخصًا مهلهل الثياب، حافي القدمين يلتقط قشر "الترمس" ويأكله، فسأله: "ماذا تفعل؟" فقال: كلّما ألقيت وراءك قشرة ألتقطها وآكلها لأن لي ثلاثة أيام لم يدخل فمي طعام. فارتجف الرجل وصاح قائلًا: "وهل يوجد في هذه الحياة من هو أتعس منّي؟" فعاد من طريقه راجعًا وبدأ حياة جديدة. فإن كان قد أصابك نوع من الفشل قل، "أنسى ما هو وراء وأمتدّ إلى ما هو قدّام" واذكر أنه يوجد رجاء.
يذكر الرسول بولس الضغوط التي واجهته في (2كورنثوس 23:11-29) "أَقُولُ كَمُخْتَلِّ الْعَقْلِ: فَأَنَا أَفْضَلُ. فِي الأَتْعَابِ أَكْثَرُ. فِي الضَّرَبَاتِ أَوْفَرُ. فِي السُّجُونِ أَكْثَرُ. فِي الْمِيتَاتِ مِرَاراً كَثِيرَةً... بِأَخْطَارِ ... فِي جُوعٍ وَعَطَشٍ. فِي أَصْوَامٍ مِرَاراً كَثِيرَةً. فِي بَرْدٍ وَعُرْيٍ... ويذكر أيضًا في 2كورنثوس 8:1 "فإننا لا نريد أن تجهلوا أيها الإخوة من جهة ضيقتنا التي أصابتنا في أسيّا، أننا تثقّلنا جدًّا فوق الطاقة حتى أيسنا من الحياة أيضًا". وفي كل هذا لم يُحْبَط بل أكمل خدمته ولم يَدَعْ كلّ المتاعب تفشّله... وبالرغم من سجنه في روما كتب بالروح القدس أربع رسائل: أفسس التي تكلّمنا عن السماويات، وفيلبي التي تكلّمنا عن الفرح، وكولوسي التي تكلّمنا عن المسيح رأس الكنيسة، ورسالة فليمون، واسمعه وهو يقول في آخر أيامه، "قَدْ جَاهَدْتُ الْجِهَادَ الْحَسَنَ، أَكْمَلْتُ السَّعْيَ، حَفِظْتُ الإِيمَانَ، وَأَخِيرًا قَدْ وُضِعَ لِي إِكْلِيلُ الْبِرِّ، الَّذِي يَهَبُهُ لِي فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ الرَّبُّ الدَّيَّانُ الْعَادِلُ، وَلَيْسَ لِي فَقَطْ، بَلْ لِجَمِيعِ الَّذِينَ يُحِبُّونَ ظُهُورَهُ أَيْضًا". (2تيموثاوس 7:4)
والنبي العظيم إيليّا الذي حقّق في حياته نجاحات عظيمة، صلّى فانفتحت أبواب السماء ونزل المطر، ثم صلّى فأغلق السماء ووقف المطر، كما أنزل نارًا من السماء، وهو الذي تحدّى الملك الشرير أخآب ووبّخه وتحدّى زوجته إيزابل الشريرة فقتل أنبياءها، أنبياء البعل، ولكن بالرغم من كل هذا، بمجرّد أن سمع من إيزابل الشريرة وهي تتوعّد بقتله، أُصيب بالإحباط وأصابه اليأس فهرب إلى البرية واختبأ هناك وصلّى قائلًا خذ نفسي لأني لست أفضل من آبائي، ونام هناك تحت الرتمة، ولكن الرب في محبّته ونعمته عالجه فأرسل له الملاك ليطعمه ويرويه، فقام وسار نحو جبل حوريب واختبأ هناك، والرب كلّمه هناك في الزوبعة والزلزلة والنار، فسمع صوت الرب وأطاع وقام راجعًا في طريقه ليبدأ خدمته من جديد، فمسَحَ أليشع نبيًّا عوضًا عنه وياهو بن نمشي قائدًا وملكًا... وفي النهاية صعد في مركبة من النار إلى السماء. فلا تفشل لأنه يوجد رجاء.
وبطرس المقدام الذي في عظةٍ واحدة ربح ثلاثة آلاف شخص، وقد أقام طابيثا أي غزالة من الموت، وشفى الأعرج من بطن أمه عند باب الهيكل الجميل وشفى آخرين، وقد كتب رسالتين بالوحي المقدس وقد صُلبَ منكّس الرأس... بطرس هذا أصابه الفشل عدّة مرّات، فشل في مهنته مرّتين فلم يمسك سمكًا (لوقا 5، يوحنا 21)، أما فشله الكبير كان عندما أنكر السيد المسيح أمام الجارية... لكنه أطاع الرب، وامتلأ من الروح القدس، وخدم الرب وربح نفوسًا كثيرة للمسيح.
ربّما حدث لك ما حدث لإيليا، أو لبطرس، أو للرسول بولس... ابدأ من الآن وارجع إلى الرب بتوبة صادقة، فالباب ما زال مفتوحًا، لا تجعل الماضي يحبطك لأنه يوجد رجاء، لا تفشل.
وهذه بعض المشجعات لتبدأ من جديد:
أ– أعطاك الله عمرًا وحياة حتى الآن.
ب– أعطاك الله مواعيد عظمى وثمينة:
"كما أن قدرته الإلهية قد وهبت لنا كلَّ ما هو للحياة والتقوى، بمعرفة الذي دعانا بالمجد والفضيلة، اللذَيْن بهما قد وهب لنا المواعيد العظمى والثمينة، لكي تصيروا بها شركاء الطبيعة الإلهية، هاربين من الفساد الذي في العالم بالشهوة". (2بطرس 3:1-4)
"لأن الله لم يعطنا روح الفشل، بل روح القوة والمحبة والنصح". (2تيموثاوس 7:1)
"... هنذا قد جعلت أمامك بابًا مفتوحًا ولا يستطيع أحد أن يغلقه... هنذا واقف على الباب وأقرع. إن سمع أحد صوتي وفتح الباب، أدخل إليه وأتعشّى معه وهو معي". (رؤ 8:3 و20)
ج– أعطاك الله عقلًا ومعرفةً، وإرادةً حرّة، ومواهب، وصحّة وقوّة...
د– رسم لك الله خطة عظيمة، فأنت غير متروك للظروف أو للمصادفات، لذلك أقول لك: ابْدَأْ الآن من جديد وضع في اعتباراتك ما يأتي:
1– لا تبقِ فشل الماضي في فكرك بل اطرده بقوة.
2– ثق في مواعيد الله واتّكل عليه.
3– لا تقلق بل اطمئنّ لأنّ كلّ شيء سيكون بترتيب إلهيٍّ وأنت لست وحدك.
4– استثمر الوقت ولا تدعه يمرّ دون أن تستغلّه.
5– لا تتوقّف عن خلوتك الشخصيّة اليوميّة مع الرب الذي يقودك ويرشدك ويحفظك من الفشل.
6– لا تخفْ من الفشل، بل حوّله إلى نجاح.
7– ابحث عن شخص مؤمن له خبرة في المشورة المسيحيّة ليساعدك في حلّ مشكلتك.
7– تجنّب المصطلحات التي تعبّر عن الفشل مثل: "مفيش فايده... زيّ الزفت... مش ممكن... مستحيل..." وابتسم دائمًا ولا تغلق الباب. وابدأ الآن واترك الباقي على الرب.
أختم مذكّرًا إيّاك ببعض المشاهير الذين كان لهم بصمات في التاريخ مثل بتهوفن الموسيقار الذي كان فقيرًا وأصمّ لكنه استطاع أن ينجح ويؤلّف أجمل القطع الموسيقيّة التي أسعدت البشرية، وأديسون الذي غيّر مجرى الحضارة في العالم باختراعاته خاصة المصباح الكهربائي، وكان أصمّ لكنّه استطاع أن يواصل اختراعاته التي أبهرت العالم. وهيلين كلير الكفيفة الصماء التي أنصت لها رؤساء أميركا أكثر من 60 عامًا.