"تسمّرتُ أمام الصورة التي أُخِذْتُ بجمالها الجذّاب. ورحتُ أتأمَّلُ فيها عن كثَب. إذ شدّتني إليها وسحَرتني برونقِها وألوانها المعبِّرة.
وأيضًا جَذبتْني بمحتواها الذي لم أرَ مثلَه قطُّ في حياتي. وصرتُ أفكِّر في مَن يكونُ هذا الشخصُ الذي يحملُ بين ذراعيه حمَلًا، إذ بَدا لي وديعًا حنونًا محبًّا عطوفًا على الخروف بين يديه. تساءلتُ في نفسي ترى ما هي قصةُ هذا الراعي الأمين؟
حينذاك لمحتُ ما كُتِب من كلماتٍ تحت الصورة وتُقْتُ لأنْ أعرفَ مغزاها أو معناها الذي لم أفقهْ كُنهَهُ. كانت الكلمات غريبةً عليّ بعضَ الشيء فقرأتُ: "الراعي الصالح يبذل نفسه عن الخراف." قلتُ: عمَّن تحكي هذه العبارة؟ وهل يُعقل أن يضعَ أحدٌ نفسَه من أجلِ آخَر؟ وهنا غاص فكري في بحرٍ عميقٍ لا بل قُلْ في محيطٍ ليس له قرار. حاولت عندها أن أفكَّ اللّغزَ المحيِّر وحدي لكنني تهتُ في خضمٍّ من الأمواج المتلاطمة من تفاسيرَ عديدة التي لم تَشفِ غليلي ولم تُرِحْ فضولي.
بالحق، أنا غريب عن كل هذا الجوّ الخاشع، فلقد وُلدتُ في أحد البلدان في شمالي أفريقيا. لكنَّني هاجرتُ إلى فرنسا فيما بعد، حيثُ ترعرعت ونشأت هناك. ومع أنني تربَّيتُ منتميًا إلى دينٍ آخر إلَّا أنني لم أُعِرِ الدينَ اهتمامي يومًا. بل على العكس كنتُ ملحِدًا لا أؤمن بشيء. كنت موهوبًا جدًا بالموسيقى حتى إنني أبدعتُ فيها وصرتُ أعزف على الآلات المتعددة. ألَّفتُ أغانيَ كثيرة وكتبتُ لها ألحانًا مميّزة. إلى أن جاء يوم اقترح فيه عليَّ المسؤول عن الشركة التي نشرت أغانيَّ بأن أؤلف قطعةً موسيقيّة تعبِّر عن قصة أو مسرحية غنائية. وحين تركتُ الشركة متوجّهًا نحوَ الشارع في تلك الليلة، بدأتِ السماءُ تمطرُ. فركضت مسرعًا واحتميت تحتَ ظلِّ شرفةٍ تابعةٍ لكنيسة هناك. وحين دخلت المبنى، حصلَ معي هذا المشهد الذي وصفته آنفًا ولفتَتْ نظري تلك الصورة التي سحَرتْني بجمالها وعمقِ معناها. وفيما كنتُ لا أزالُ مأخوذًا بالكلماتِ المكتوبة تحتَها اقتربتُ من الكاهن الذي كان بعد موجودًا في الكنيسة وسألته بكل شغَفٍ عن معنى هذه الكلمات التي بهرَتني. وهنا ما كان منه إلَّا أن بدأ يكلِّمُني عن الشخص ناطقِ هذه الكلمات الذي وحده قالها عن نفسه بأنه هو الراعي الصالح. وراح يخبرني بأنه يسوعُ المسيح المولود من العذراء مريم من روح الله القدوس. فهو الذي وصفَ نفسه بهذه الكلمات المفعمة بالحبّ والحنان والعطف على بني البشر أجمعين. ليس هذا فحسبْ بل قال بأنه الراعي الصالح الذي يبذلُ نفسه عن الخراف. وأضاف الكاهن: وهذا بالضبط ما فعله يا صديقي - قالها لي بكلِّ محبة - لقد مات عن البشر ليُظهر لهم محبته العظيمة. وحمَل بنفسه البارَّة خطايا العالم ومات بدلًا عنهم ليمنحَهم غفرانًا أكيدًا وحياةً أبدية. وما أنِ انتهى الكاهنُ من كلامه هذا الذي كنتُ أسمعُه لأوَّل مرةٍ في حياتي حتى ناولَني كتابَ العهدِ الجديد الذي يحوي على قصة هذا الراعي وحياته بالكامل ومعجزاته الإلهية. وقال لي: تستطيع يا ابني أن تقرأ قصةَ يسوع المسيح كاملةً في هذا الكتاب.
تأبَّطْتُ الكتابَ للحال وذهبت إلى بيتي بعجَلٍ، ورحت أتصفَّح الكتابَ في تلك الليلة وفي اليوم التالي بدأت بقراءته برغبة شديدة وحبٍّ كبير. وفي النهاية كتبت قصةً غنائية عن حياة هذا الراعي العظيم. لكن للأسف، لم أستطعْ نشرَها بسبب أنَّ موضوعَها مثيرٌ للجدَل والنقاش في المجتمع. لكن هذا لم يؤثِّرْ عليَّ البتّة، لماذا؟ لأنَّني كنت عندها قد صرتُ من خراف يسوع الراعي الصالح وأضحى بالنسبة لي شخصيًّا حياتي كلَّها تمامًا كما قال: "أما أنا فقد أتيت لتكونَ لهم حياةٌ وليكونَ لهم أفضل." (يوحنا 10:10ب) لأنَّه قلبَها رأسًا على عقِب. فتوقّفت للتَّوِّ عن شرب الخمرة والتدخين، ولم تعدْ لديَّ الرغبةُ في قضاء وقتٍ في المقاهي والحانات والحفلات. وصار عندي شوقٌ كبير لكي أعودَ إلى شمالي أفريقيا بعد أن كنت قد ارتبطت هناك بزوجتي نورا، لكي أخبرها عن يسوع هذا الراعي الصالح المحبّ والحنون على خرافه وكيف دخل إلى حياتي وقلبي وغيَّرهما بالكلّيّة. وحين التقيتُها لم أسكتْ بل تكلّمت معها عن كلِّ ما جرى معي. وإذا بي أُفاجأ أنَّها هي أيضًا قد تأثّرتْ بيسوع المسيح بعد أن سمعتْ عنه. وقالت لي لقد استجاب يسوع هذا صلواتي وسمع دعائي. واليوم يا أصدقائي نحن نخدمُ معًا هذا الإلهَ العظيم عن طريق كتابة الترانيم باللغات الثلاثة العربيّة والفرنسيّة والبربريّة، لكي نمجِّد اسمَ يسوع المسيح في مجتمعنا المحتاج." س / شمال أفريقيا
ولكي أضعكم بالجوّ قرائي الكرام أحببت أن أشارك معكم إحدى الترانيم من شمالي أفريقيا، التي كنَّا نستخدمها في برامجنا الإذاعية. والترنيمة هي من تونس وباللهجة التونسية طبعًا. إذ تعبّر عن شهادةِ شخص آخر من نفس الخلفية نظَّمها ولحَّنها. تقول كلماتهُا:
القرار: سيْدي المسيح يا مولايا، أنتَ وحدَك دارِي بِـدايا،
وأنتَ اللّي عارف، وأنت اللّي عارف، وأنت اللّي عارف عارف دْوايا.
1- سيْدي المسيح يا مولايا، عُمري ضيَّعتو بالخطايا أنتَ خلاصي أنتَ مُنايا، سيْدي المسيح يا مولايا.
2- سيْدي المسيح يا مولايا، أنتَ البداية والنهاية، أنتَ وحدَك دايما معايا، سيدْي المسيح يا مولايا.
3- سيدي المسيح يا مولايا، أنتَ نوري اللّي في سْمايا، فيكْ حياتي فيكْ شِفايا، سيْدي المسيح يا مولايا.
ليست قصة هذا الشاب - الذي قمت بترجمتها بتصرُّف - وحدَها هي المميَّزة لكنّها واحدة من قصص أخرى كثيرة وحقيقية حصلت مع أناسٍ آخرين وفي أماكن أخرى من العالم كانوا من عبدَة الأوثان يعيشون ضمن قبائل في مجتمعاتهم. هؤلاء أيضًا لم يسمعوا قطُّ عن هذا الراعي الصالح. حكى أحدُ المرسلين مرة قصّةَ أحدهم فقال: عملْتُ جاهدًا في ترجمة الإنجيل بحسب متّى البشير إلى لغة إحدى هذه القبائل التي دعاني الرب للعمل بينها. وبعد أن ترجمتُ الأعداد السبعةَ عشرَ الأولى من سلسلة نسَب المسيح، قلت في نفسي: يا له من وقت طويل أنفقتُه في هذا الجزء. وأيُّ شيء في هذه السلسلة من الأسماء سيفيدُ هؤلاء الوثنيين؟! وبينما أنا أفكّر في هذه الأمور زارني أحد الأهالي وسألني عمَّا كنت أفعل. فأخبرته بأنني أقوم بترجمة أوّل فصل من الإنجيل بحسب متّى البشير. وقرأت له نسَب الرب يسوع كلّه. كان ضيفي الزائر يستمع إلى الترجمة بلغة قبيلته بشغَفٍ شديد. وعندما انتهيت من القراءة قال لي: والآن أريد أن أسمع منك أكثر عن يسوع هذا لأنِّي أريد أن أؤمن به. وهنا حصلَتِ المفاجأة وتساءلت في سرّي ترُى ما الذي جعل هذا الوثني يتأثّر هكذا بنسَبِ الرب يسوع؟ كان الزائر ينتمي إلى قبيلة لها أصولٌ عريقة. وكانت عظَمَةُ أيِّ قائد فيهم تُقاس بطول سلسلةِ نسَبِه. أمَّا الذي لاحظه الزائر هذا هو أنَّ سلسلةَ نسَبِ الربِّ يسوع كانت أطول من سلسلة نسَب أهمِّ رجل في قبيلته. لذلك رأى أنَّ الربَّ يسوع لا بدَّ أن يكون أهمَّ وأعظمَ من جميع الناس الذين يوقّرهم ويحترمُهم. كلّا لم يذهب وقتي سُدًى إذًا وأنا أترجم سلسلةَ نسَب المسيح بلغة هذه القبيلة. ألم يقلْ عنه الملاك: هذا يكونُ عظيمًا وابنَ العليّ يُدعى؟
نعم يا صديقي، ليس مثْلَ يسوع الراعي الصالح الأمين الذي يحمِلُنا نحن خرافَهُ في حَفْنةِ يديه المثقوبتَيْن من أجلنا، وليس مثلَ اسمِهِ العجيب الذي يخلّص كلَّ من يأتي إليه تائبًا ومؤمنًا بفدائه وغفرانه.