تُعتَبَر قصّة خلاص زكّا واحدة من القصص الجميلة عن عمل الله في خلاص الخطاة وتغيير القلوب والاتّجاهات في الحياة.
"ثُمَّ دَخَلَ (يسوع) وَاجْتَازَ فِي أَرِيحَا. وَإِذَا رَجُلٌ اسْمُهُ زكّا وَهُوَ رَئِيسٌ لِلْعَشَّارِينَ وَكَانَ غَنِيًّا؟" (لوقا 1:19-2) كان زكّا يعمل لصالح السلطات الرومانيّة ضدّ شعبه. كان رَئِيسًا لِلْعَشَّارِينَ، أي لجماعة العملاء والخونة في منطقة أريحا. (تعني كلمة "عشّار" ببساطة جابي ضرائب).
كان رئيس العشّارين يعقد عهدًا معهم بأن يدفع لهم مبلغًا معينًّا من المال سنويًّا من الضرائب التي يتمّ تحصيلها من عامة الشعب، لذلك كان يجتهد في جمع أكبر كمية من المال - حتى يوفي المبلغ الذي تعهّد به لروما - وما بقي من المال الذي يجمعه كان يشكّل دخلًا أو أرباحًا يجنيها من شعبه لصالح المحتلّين نتيجة ممارسته لهذا العمل المكروه والمرفوض منهم.
كان زكّا في نظر الناس شريرًا وخاطئًا ومحبًّا للمال، فقد كان يعمل بحراسة جنود روما وقوّتهم الغاشمة في جمع المال من شعبه، لذلك أصبح مرفوضًا اجتماعيًّا، وكانت مشاعر العداء والكراهية كبيرة نحوه من قِبل أبناء شعبه.
"وَطَلَبَ أَنْ يَرَى يَسُوعَ مَنْ هُوَ وَلَمْ يَقْدِرْ مِنَ الْجَمْعِ لأَنَّهُ كَانَ قَصِيرَ الْقَامَةِ. فَرَكَضَ مُتَقَدِّمًا وَصَعِدَ إِلَى جُمَّيْزَةٍ لِكَيْ يَرَاهُ لأَنَّهُ كَانَ مُزْمِعًا أَنْ يَمُرَّ مِنْ هُنَاكَ". (ع 3-4)
رغم اكتفائه المالي، طلب زكّا شيئًا آخر لأنه كان يفتقر إلى الفرح والسلام الداخلي والسعادة؛ فالمال لا ولن يُشبع النفس البشرية أبدًا! ومن زادت أمواله، فإنه دائمًا يطلب المزيد ولا يكتفي. ومحبة المال لا تُدخِل الفرح الحقيقي إلى النفس البشرية.
ما أكثر الأغنياء الذين يظهرون للناس أنهم سعداء، لكنهم في الواقع يعيشون حياة بؤس وأسف وشقاء! أما زكّا فطلب أن يرى يسوع، وهذا الطلب دلّ عن أشواقٍ قلبيةٍ رائعة! فرغم شروره وخطاياه أراد زكّا أن يرى يسوع مصدر الفرح والشِّبَع الحقيقيّ والاكتفاء، وكلّ ما يمكن أن يناله الإنسان من سعادة. لكنه كان قصير القامة ولم يستطع أن يرى الرب يسوع بسبب ازدحام الجماهير حوله.
وأمام هذه الرغبة الشديدة، لم يكن أمام زكّا إلّا خيارٌ واحدٌ وهو أن يتسلّق شجرة عالية لكي يستطيع من أعلاها أن يرى الرب يسوع. فاستطلع زكّا إلى أين يتّجه موكب المسيح، وحدّد شجرة جمّيز سيمرّ من جانبها موكبه، فركض وصعد تلك الشجرة؛ لا بدّ وأن هذا الموقف كان من أصعب المواقف التي مرّ بها زكّا في حياته، لكن قلبه كان يلتهب شوقًا لرؤية الرب يسوع. لم يبالِ بتعليقات الناس وملاحظاتهم الساخرة وضحكاتهم وتهكّمهم عليه، ولم يبالِ بمركزه الاجتماعي وهيبته والسلطة والقوة التي كان يتمتّع بها، فكل هذه لا قيمة لها أمام نظرة واحدة إلى ربّ المجد يسوع المسيح.
ليت الرب يلهب قلوبنا شوقًا إلى رؤياه. ليتنا نعتبر كل شيء نفاية أمام ربح المسيح. ليتنا لا نخجل من إيماننا بالرب يسوع. بل نكون مستعدين أن نحتمل كل تعيير من أجله.
فرح زكّا الحقيقي
وصل موكب الرب يسوع إلى شجرة الجمّيز حيث كان زكّا، فتوقّف يسوع ونظر إلى فوق، حيث كان زكّا في أعلى الشجرة، وقال له: "يَا زكّا أَسْرِعْ وَانْزِلْ لأَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ أَمْكُثَ الْيَوْمَ فِي بَيْتِكَ". (ع 5) أظهر الرب يسوع هنا عظمته ولاهوته ومحبّته بطريقة رائعة:
ناداه يسوع باسمه [يا زكّا]! وأعلن بهذا أنه الله الذي يعلم كل شيء - وبشكلٍ خاص يعرف اسم كلّ واحد منّا!
هل نشتهي أن يُنادينا الرب بأسمائنا؟ هل نفرح عندما نعرف أن الرب يعرفنا بالاسم؟ هل نؤمن حقًّا أن الرب يدعونا كما دعا زكّا؟
سمع زكّا النداء، ولبّى كلمات الرّب يسوع (الذي عرف أن زكّا أراد أن يرى الرب ليس لمجرّد رؤيةٍ عابرة، بل لينال منه الفرح الذي كان يفتقر إليه). ثم أكمل الرب يسوع قوله لزكّا: "أسرعْ وانزِل". أراد الرب من زكّا أن يتجاوب بسرعة لدعوته له، وأن يسرع بالنزول ليكون معه.
ثم قال الرب يسوع: "يَنْبَغِي (أي يجب) أَنْ أَمْكُثَ الْيَوْمَ فِي بَيْتِكَ." وهنا تظهر أمامنا حقيقة لاهوتية عظيمة؛
فلقد عرف الرب يسوع سلفًا ما سوف يحصل معه عند مجيئه إلى أريحا، فهو الله كاشف المستقبل، ويعرف الأحداث قبل وقوعها، فقوله "ينبغي" دليل على إتمام خطة سابقة لله تتعلّق بزكّا رئيس العشارين.
هل ندعو الرب ليكون معنا في بيوتنا؟ هل بيوتنا مسكن للرب أم للخطية؟ ومن هم الذين ندعوهم إلى بيوتنا، رفاق السوء والشر والخطية، أم المؤمنين والقديسين؟ ما هي حالة بيوتنا اليوم، وإلى متى ستبقى على هذه الحالة؟!
أسرعَ زكّا ونزل وقَبِلَ الرّب يسوع المسيح فرِحًا، فكانت هذه قمة السعادة التي يمكن أن يصلها الإنسان الذي يقبل المسيح بفرحٍ في حياته وبيته. المسيح هو مصدر الفرح الحقيقي والدّائم، لأنه يحمل عنا همومنا وآلامنا وآثامنا وخطايانا، ويعطينا في شخصه فرحًا وسعادة حقيقيّة.
هل يوجد فرح حقيقي في حياتك هذه الأيّام؟ هل سبق لك وأن قَبِلتَ المسيح فرِحًا في حياتك؟