إن إطاعة الله ببساطة هي التنفيذ العملي لمشيئته ووصاياه.
من أجمل الأمثلة التي تشرح الطاعة العمليّة كما جاء عن موسى في سفر الخروج، حيث يقول الوحي المقدس "ففعل موسى بحسب كل ما أمره الرب. هكذا فعل". (خروج ١٦:٤٠) إنّ القياسات، والمواصفات الهندسيّة، والمواد الداخلة في خيمة الاجتماع، وأين يوضع أثاث خيمة الاجتماع تمت كلّها بحسب أمر الربّ لموسى.
يقول الكتاب: "بحسب جميع ما أنا أريك من مثال المسكن، ومثال جميع آنيته هكذا تصنعون". (خروج ٩:٢٥) وإن جاز لي التعبير فالرب هو المهندس المعماري الذي أعطى موسى (الطبعة الزرقاء Blueprint) أي نسخة طبق الأصل ليعمل خيمة الاجتماع، وقال عنها إستفانوس "وأما خيمة الشهادة فكانت مع آبائنا في البريّة، كما أمر الذي كلّم موسى أن يعملها على المثال الذي كان قد رآه". (أعمال ٤٤:٧) كانت طاعة موسى في هذا الأمر طاعة كاملة، وما أروع الكتاب المقدس إذ تكرّرت عبارة "كما أمر الربّ موسى" سبع مرّات دلالة على كمال الطاعة للربّ.
عزيزي القارئ، دعنا قبل أن نكمل حديثنا الهام جدًّا، نتعهّد أمام الرب أن نحيا حياة الطاعة للربّ ولكلمته، ولا سيّما نحن في الأيام الأخيرة إذ أصبحت كلمة الطاعة من النوادر!
تعال لنصلّي: يا ربّ أعنّي بقوّة روحك القدّوس ألَّا أكون أصمّ، بل أصغي لوصاياك الكريمة، ولا أكون متمرّدًا ولا معاندًا بل أكون في خضوعٍ كلّيّ للّذي أحبّني وافتداني فوق صليب الجلجثة "يسوع ابن الله" له كلّ المجد، آمين!
أخي وأختي في المسيح، إذا درسنا موضوع الطاعة من سفر التكوين إلى الرؤيا، سنجد أربعة أعمدة مترابطة معًا تقوم عليها الطاعة الكاملة المؤسّسة على قاعدة الكتاب المقدس ألا وهي: الإيمان، والتواضع، والمحبّة لله، وقيادة الروح القدس. وفي هذه المقالة بنعمة الرب سنتناول معًا الجزء الأوّل من سلسلة حاجتنا للطاعة العمليّة.
أعمدة الطاعة
العمود الأول: الطاعة والإيمان
إنهما وجهان لعملة واحدة، إن فُقِدَ واحد يتعطّل الآخر. إن أفضل مثال يشرح هذا هو رحلة شعب إسرائيل في البرية. اتّصفت تلك الأربعون سنة بعدم الطاعة، والعصيان، وعدم الإيمان والتذمّر المستمرّ. وكاتب الرسالة إلى العبرانيين يسأل الذين وقفوا على مفترق الطرق أي (إما الرجوع للطقوس اليهودية أو التمسّك بالإيمان المسيحي)، وهذه الأسئلة التقريرية جوابها معروفٌ لسامعيه. "فمن هم الذين إذ سمعوا أسخطوا؟ أليس جميع الذين خرجوا من مصر بواسطة موسى؟ ومن مقَتَ أربعين سنة؟ أليس الذين أخطأوا، الذين جثثهم سقطت في القفر؟ ولمن أقسم: "لن يدخلوا راحته"، إلّا للّذين لم يطيعوا؟"
عزيزي القارئ، ربما تقول ماذا نستنتج من هذه الأسئلة؟ أقول لك إن الكتاب يشرح نفسه بنفسه إذ يقول "فنرى أنهم لم يقدروا أن يدخلوا لعدم الإيمان". (عبرانيين ١٦:٣-١٩)
أرجو أن ننتبه إلى هاتين العبارتين "لم يطيعوا" و "لعدم الإيمان". ففي هذه الرسالة نرى الطاعة والإيمان من جهة ومن جهة أخرى نرى كارثة العصيان وعدم الإيمان. ولهذا يُحذِّر الروح القدس من خطورة عدم الطاعة وعدم الإيمان. وفي الأصحاح المشهور الحادي عشر من رسالة العبرانيين الذي يسمَّى بـ "سحابة الشهود" نجد أنّ الأفعال والقرارات التي عملها أبطال الإيمان كانت نتيجة طاعة تنفيذيّة كاملة لمشيئة الرب وأوامره تتلازم مع كلمة الإيمان عدّة مرات.
الخلاصة: إنّ الطاعة متلازمة مع الإيمان وهذا ما يؤكده قول الكتاب مرّتين في رسالة رومية "لإطاعة الإيمان" (رومية ٥:١، رومية ٢٦:١٦). إنها طاعة عمليّة وإيمان فعّال لحقائق كتابيّة وليس مجرّد نظريّات أو فلسفات بشريّة.
نرى الإيمان والطاعة مُتجلّية في إبراهيم، عندما أطاع الله في خروجه من أرضه إلى حاران، ثم أطاع مرّة أخرى عندما خرج من حاران بعد موت أبيه إلى أرض كنعان. ونرى أيضًا الطاعة العمليّة في حياة إبراهيم عندما أدخله الله في عهد الختان (تكوين ١٧)، وأخيرًا نرى الطاعة عندما نجح إبراهيم في امتحان إيمانه (تكوين ٢٢). وما أجمل الكلمات المباركة التي قالها الرب لإبراهيم: "ويتبارك في نسلك جميع أمم الأرض، من أجل أنّك سمعت لقولي". (تكوين ١٨:٢٢) وعبارة "سمعت لقولي" وردت بالإنكليزية بمعنى "أطعت صوتي". أيها القارئ العزيز، ألا تشجِّعنا هذه الكلمات الذهبية أن نطيع الرب طاعة كاملة حتى نكون بركة لجميع أمم الأرض؟ ليتنا نُسكِّن قُلوبنا وندعو الروح القدس أن يُساعدنا في هضم هذه الكلمات.
لنتأمل في كلمتَي الإيمان والطاعة في هذه الآية: "بالإيمان إبراهيم لما دُعِيَ أطاع أن يخرج إلى المكان الذي كان عتيدًا أن يأخذه ميراثًا، فخرج وهو لا يعلم إلى أين يأتي". (عبرانيين ٨:١١)
صلاة: أيها الرب يسوع، شدّد إيماني بك وهبني الإيمان لكي ألهج بوصاياك وأطيعك طاعة كاملة لأنك أنت بهجة قلبي. باسمك الكريم يا ربي يسوع أصلّي آمين.
العمود الثاني: الطاعة والتواضع
وأول سؤال يطرح نفسه، هل يمكن للطاعة والكبرياء أن تجتمعا معًا؟ الجواب كلّا، لأن الكبرياء تنفر الطاعة، وهي تجعل الإنسان يسير في اتّجاه معاكس لله ولوصاياه. لنأخذ على سبيل المثال الملك مَنَسّى - فكبرياؤه جعلته يسمّي الخير شرًّا، والشرّ خيرًا، لقد جعل الظلام نورًا والنور ظلامًا. لقد أرسل الرب إليه تحذيرات إذ يقول الكتاب "وكلّم الرب مَنَسّى وشعبه فلم يصغوا". (٢أخبار ١٠:٣٣) أي لم يطيعوا لسبب كبرياء القلب، وكانت النتيجة أنه أُخِذَ أسيرًا إلى بابل بحالةٍ من الخزي والمَذلّة إذ كان يُجَرّ بحبل مربوطًا بخزامةٍ (مثل الثور عندما يُساق).
عزيزي القارئ، أرجو أن ننتبه ونأخذ عبرة لأنّ الكتاب يريد أن يكلّم كلّ واحد أنّ العصيان والكبرياء يؤدّيان إلى ذلٍّ وخزيٍ أمام كلّ المجتمع، ولكن شكرًا لله الذي يُبقي باب التوبة مفتوحًا لأسوأ الخطاة... ثم يقول الكتاب: "ولما تضايق طلب وجه الرب إلهه، وتواضع جدًّا أمام إله آبائه... فاستجاب له وسمع تضرّعه، وردّه... إلى مملكته". (٢أخبار ١٢:٣٣-١٣) لقد كان روح الرب يؤنّب ضميره لأنه قتل إشعياء النبي، ولأن كلمة الرب لا ترجع إليه فارغة، ويبدو أنه قد تنبّه لما قاله إشعياء "ليتك أصغيت لوصايايَ، فكان كنهرٍ سلامكَ وبِرّك كلجج البحر". (إشعياء ١٨:٤٨) وربما يكون قد تذكّر وعد الربّ لسليمان "فإذا تواضع شعبي الذين دُعِي اسمي عليهم وصلّوا وطلبوا وجهي، ورجعوا عن طرقهم الرديّة فإنني أسمع من السماء وأغفر خطيتهم وأبرئُ أرضهم". (٢أخبار ١٤:٧) فمن اختبار الملك مَنَسّى نستنتج أنّ الطاعة تحتاج إلى عنصر التواضع في إنساننا الجديد.
عزيزي القارئ، سنستكمل حديثنا في موضوع الطاعة، في العدد القادم، لذا أريد أن أستودع بين يديك الموعظة على الجبل (متى ٥-٧) لكي نفحص أنفسنا هل نحن طائعين لدستور ملكوت السماوات؟ أرجوا أن تكتب لنا إذا كان لديك أي استفسار حول موضوع الطاعة.