Voice of Preaching the Gospel

vopg

يتميّز المؤمن الحقيقي بإحساس جارف يدفعه إلى البحث عن الحق، فهو لا يقبل أن يتلقّن التعاليم التي تصل إليه دون تفكيرٍ في مصدرها.

إنه يدقّق في بحثه وتأملاته لكي يثق أن التعاليم التي يكيّف حياته وفقها هي تعاليم مصدرها الكتاب المقدس.
والمؤمن الباحث عن الحقّ يجب أن تتوافر فيه صفات معيّنة ليقدر أن يجد الحق الذي يبحث عنه. وسأركز رسالتي في كلمتين: صفات الباحث عن الحق والبركات التي يتمتّع بها.

أولاً: صفات الباحث عن الحق

1- يُحِبّ الحقّ للحقّ ذاته: يقول الرسول في 2تسالونيكي 9:2-12 "لأَنَّهُمْ لَمْ يَقْبَلُوا مَحَبَّةَ الْحَقِّ حَتَّى يَخْلُصُوا... ولأجل هذا سَيُرْسِلُ إِلَيْهِمُ اللهُ عَمَلَ الضَّلاَلِ، حَتَّى يُصَدِّقُوا الْكَذِبَ". يؤكد في هذه الكلمات حقيقة واضحة وهي: إما أن نحبّ الحق ونخلص له، أو لا يبقى أمامنا سوى الضلال لنصدّقه ونجلب على أنفسنا الدينونة، لذا ينبغي لنا أن نحبّ الحق لأن هذه هي إرادة الله "الذي يريد أن جميع الناس يخلصون وإلى معرفة الحق يقبلون".

2- الإخلاص القلبي في البحث عن الحقّ: إن الإخلاص القلبي ضرورة لازمة للباحث عن الحق ولذلك يكتب الرسول بولس للكورنثيين قائلاً: "إِذًا لِنُعَيِّدْ، لَيْسَ بِخَمِيرَةٍ عَتِيقَةٍ، وَلاَ بِخَمِيرَةِ الشَّرِّ وَالْخُبْثِ، بَلْ بِفَطِيرِ الإِخْلاَصِ وَالْحَقِّ". إن الإخلاص الحقيقي في القلب لا بدّ أن يقود المرء إلى الدين الحقّ. لقد كان بولس الرسول مُخلِصًا جدًّا في اضطهاده للكنيسة الأولى، وعندما رأى الله إخلاص قلبه قاده إلى معرفته والخضوع لنور صليبه، وكذلك كان الخصي الحبشي مُخلِصًا عندما جاء من الحبشة إلى أورشليم ليسجد لله، ولهذا أرسل له الرب فيلبّس المبشّر لينير أمامه سبيل الخلاص الوحيد.

3- الطاعة للنور الذي يظهر أمامه من الحقّ
في إنجيل يوحنا 7 نقرأ هذه الكلمات: "إِنْ شَاءَ أَحَدٌ أَنْ يَعْمَلَ مَشِيئَتَهُ يَعْرِفُ التَّعْلِيمَ، هَلْ هُوَ مِنَ اللهِ، أَمْ أَتَكَلَّمُ أَنَا مِنْ نَفْسِي". (يوحنا 17:7) وجاءت في اللغة الإنجليزية كما يلي: "إن شاء أحد أن يعمل مشيئته سيعرف التعليم". وهنا نقف أمام مبدإٍ سامٍ لكلِّ من يريد أن يعرف الحقّ وينفّذه، هو مبدأ الطاعة للنور المُعلن له، والإرادة الخاضعة لتنفيذ هذا الحقّ المعلن. شهد الدكتور هوارد كلي أحد الأطباء العالميّين العظام: "لقد خرجت من جوّ الشكوك وعدم اليقين إلى عالم الحقائق الأكيدة". ويخبرنا كيف تمّ ذلك بقوله: "أخذت الكتاب المقدس وتتلمذت له... وأخضعت نفسي لشروطه وأطعتها طاعة كاملة، واختبرت بأن المسيح يدعو الناس ويعدهم: [إِنْ شَاءَ أَحَدٌ أَنْ يَعْمَلَ مَشِيئَتَهُ يَعْرِفُ التَّعْلِيمَ]. فعلينا أن نكون أمناء مطيعين للنور الإلهي الذي يظهر لنا".
يخطئ الكثيرون عندما يردّدون الجزء الثمين المذكور في آية جليلة من رسالة يوحنا الأولى وهو الجزء القائل: "ودم يسوع المسيح ابنه يطهّرنا من كل خطية". وسرّ خطئهم أنهم ينسون شرط التطهير الأوّل، وهو الطاعة الكاملة للحقّ إذ تقول الآية: "إن قلنا أن لنا شركة معه وسلكنا في الظلمة نكذب ولسنا نعمل الحقّ ولكن إن سلكنا في النور كما هو في النور فلنا شركة بعضنا مع بعض ودم يسوع المسيح ابنه يطهرنا من كل خطية." (1يوحنا 7:1)
فاذكر أيها القارئ الكريم أن الطاعة السريعة للحقّ الذي أعلنه لك الله في كلمته هي الوسيلة لمعرفة حقٍّ أعظم وإلا فسيطفئ الله الأنوار التي أضاءها لك ويتركك في الظلام الدامس.

4- الأمانة للحقّ الذي وصل إليه
فإن أراد المرء أن يصل إلى معرفة أكبر عليه أن يكون أمينًا للحق الذي وصله ويطيعه. قال يسوع: "الأمين في القليل أمين أيضًا في الكثير". (لوقا 10:16) وهذه الكلمات تصدق على الحق كما تصدق على المال.
لقد أخذت الحق مجانًا، وقد قال ربنا: "مجانًا أخذتم مجانًا أعطوا". فلا بدّ إذًا أن تذيع الحق الذي عرفته بكل أمانة وإخلاص، وثق أنك بإذاعتك الحق سوف يتعمّق الحق في قلبك، ويفتح لك مكنونات أسراره عندما تشارك الآخرين فيه، وكل خادم للرب يعرف أنه يوم يتوقّف عن إعلان الحق، تتوقّف السماء عن إرشاده.

5- صفـة الانتظـار بصـبر أمام الله
لقد سأل بيلاطس المسيح قائلاً: "ما هو الحق؟" (يوحنا 38:18) ولو أنه انتظر في محضره لأعلن له المسيح في عبارة واضحة هذا الحق الذي سأل عنه، ولكنه لم ينتظر ولم يصبر فخسر معرفة الحق.
إن الذي يجرّب في أرضه نوعًا جديدًا من البذار، عليه أن يحرث الأرض، ويضع لها السماد، ويدفن البذار في قلبها، ثم ينتظر حتى يخرج الثمر ليحكم عليه وعلى نوعه ومقدار جودته، وهكذا لا بدّ للباحث عن الحقّ من الصبر الطويل والدرس المتواصل في حبٍّ وإخلاص للحقّ حتى يجد الحق الذي يبحث عنه. فانتظر بصبر أمام الله وقل له: "اكشف عن عينيّ فأرى عجائب من شريعتك."

6- القلب النقي المتواضع
التواضع صفة ضرورية لمن يريد أن يجد الحق، لأنه "أين الحكيم أين الكاتب أين مباحث هذا الدهر؟ ألم يجهّل الله حكمة هذا العالم؟" إذًا فالحق لا يتطلّب الفلسفة العالميّة، ولا العقلية الألمعيّة، ولا الثقافة العالية. وإنما يتطلّب قلبًا متواضعًا نقيًّا، لأجل هذا قال الرب يسوع المسيح: "أَحْمَدُكَ أَيُّهَا الآبُ رَبُّ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ، لأَنَّكَ أَخْفَيْتَ هذِهِ عَنِ الْحُكَمَاءِ وَالْفُهَمَاءِ (أي الكتبة والفريسيين ورجال الدين العظام) وَأَعْلَنْتَهَا لِلأَطْفَالِ (أي المتواضعين وأنقياء القلب)" (متى 25:11).
لقد كان دانيال شابًا متواضعًا نقيّ القلب فنقرأ عنه: "أما دانيال فجعل في قلبه أنه لا يتنجّس بأطايب الملك ولا بخمر مشروبه". (دانيال 8:1) وهكذا صلّى لأجل نفسه ولأجل شعبه قائلاً: "لنرجع عن آثامنا ونفطن بحقّك". (دانيال 13:9) ولهذا أعلن له الله الأسرار والرؤى "وسرّ الرب لخائفيه وعهده لتعليمهم" فهو "يدرّب الودعاء في الحق ويعلّم الودعاء طريقه". فهل تتوفر فيك أيها الأخ المحبوب هذه الصفة.

7- أن يحب الحق ويطيعه حتى ولو لم يكن هذا الحقّ مقبولاً من الأغلبيّة
إن كثيرين في استعداد لأن يطيعوا الحق الذي تؤمن به الأغلبيّة، مع أن الأغلبيّة قد تتبع الخطأ في كثير من الأحيان ويسألون دائمًا عندما يصلهم حقًّا غير معروفٍ لهم: "هل يعتقد الرؤساء الكبار بهذا الحق؟" ولقد حدث هذا عندما جاء الخدام إلى رؤساء الكهنة دون أن يقبضوا على يسوع "فقال هؤلاء لهم: [لماذا لم تأتوا به؟] أَجَابَ الْخُدَّامُ: «لَمْ يَتَكَلَّمْ قَطُّ إِنْسَانٌ هكَذَا مِثْلَ هذَا الإِنْسَانِ!» فأجابهم الفريسيون: [ألعلّكم أنتم أيضًا قد ضللتم؟ أَلَعَلَّ أَحَدًا مِنَ الرُّؤَسَاءِ أَوْ مِنَ الْفَرِّيسِيِّينَ آمَنَ بِهِ؟]" (يوحنا 45:7-48) وهكذا بنوا عدم إيمانهم بالحق الذي أعلنه يسوع بأن الرؤساء العظام لم يؤمنوا به، وكم من أشخاص مثقفين ومهذّبين يقفون اليوم ذات الموقف أمام الحق الأكيد الواضح في الكلمة المقدّسة، وسبب عدم إطاعتهم له يعود إلى أن الرؤساء الكبار لم يؤمنوا به. فحذار أن تربط إيمانك بالحق بأحد من البشر.
8- العقل المفتوح الواثق في الكتاب المقدس وحده: لا بدّ من الإيمان الكامل بوحي الكتاب المقدس وصدقه قبل أن تصل إلى الحق. إن الإيمان بكتب التاريخ، والجيولوجيا، وعلم النفس والمنطق، وتصديقها أكثر من كلمة الله يمنعنا عن معرفة الحق؛ وكذلك الادّعاء بأننا وصلنا إلى كلّ الحق ولسنا بِحاجة إلى مزيد، يمنع عنا نور السماء، كما أن كثرة ترديد وجهٍ واحد من وجوه الحقّ ونسيان الباقي وإهماله يحرمنا من التمتّع بالحق الكامل. إذًا فليكن للباحث عن الحق "العقل المفتوح، والإيمان الكامل في صدق الكتاب المقدس، واتخاذ هذا الكتاب كمرشد وحيد له في هذا الوجود كما يقول الرسول بطرس: "وعندنا الكلمة النبويّة، وهي أثبت، التي تفعلون حسنًا إن انتبهتم إليها، كما إلى سراج منير في موضع مظلم، إلى أن ينفجر النهار ويطلع كوكب الصبح في قلوبكم". (2بطرس 19:1)

ثانيًا: البركات التي يتمتّع بها

1- بركة الحرية: هذا ما أكّده لنا ربنا عندما قال: "وتعرفون الحق والحقّ يحرّركم". فالحق هو الذي يحرّرنا من الخطأ، ومن الضلال، ومن الخرافات، ومن التعاليم الكاذبة، ومن التقاليد التي تتنافى مع كلمة الله الصريحة، فنصبح أحرارًا في العقل أحرارًا في التصرّفات، ونتذوّق معنى الحرية الحقيقيّة، من الخوف والظلم وكل ما يمكن أن يمنع عنا ضياء الحياة السعيدة.

2- بركة الخلاص: يقول صاحب الأمثال: "يوجد هالك من عدم الحق". (أمثال 23:13) فالخلاص إذًا يأتي بمعرفة الحق، وإرادة الله أن جميع الناس يخلصون وإلى معرفة الحق يُقبلون. ومع ذلك فهناك نساء قال عنهم الرسول: "يتعلّمن في كل حين ولا يستطعن أن يُقبلن إلى معرفة الحق أبدًا". (1تيموثاوس 7:3) فاجتهد أن تجد الحق واسمع لصوت الحكيم القائل: "اقتنِ الحقّ ولا تَبِعْه".

المجموعة: شباط (فبراير) 2025

logo

دورة مجانية للدروس بالمراسلة

فرصة نادرة تمكنك من دراسة حياة السيد المسيح، ودراسة حياة ورسائل بولس الرسول. عندما تنتهي من هاتين الدراستين تكون قد أكملت دراسة معظم أسفار العهد الجديد. تتألف كل سلسلة من ثلاثين درسًا. تُمنح في نهاية كل منها شهادة خاصة. للمباشرة بالدراسة، أضغط على خانة الاشتراك واملأ البيانات. 

صوت الكرازة بالإنجيل

Voice of Preaching the Gospel
PO Box 15013
Colorado Springs, CO 80935
Email: عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.
Fax & Tel: (719) 574-6075

عدد الزوار حاليا

197 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع

إحصاءات

عدد الزيارات
11759323