بعد فترة وجيزة من تأسيس أخي بشارة عوض كلية بيت لحم
للكتاب المقدس في بيت لحم، التحق بمدرسة فريزنو باسيفيك للكتاب المقدس في فريزنو، كاليفورنيا لتعزيز تعليمه الكتابي واللاهوتي. وفي أحد الأيام أثناء وجوده في فريزنو، ذهب مع أختنا إلين سرور لزيارة سوق محليّ للفواكه والخضروات. وبينما كانا يستمتعان بالتسوّق، كانا يتحدّثان باللغة العربية. ثم جاءتهما سيدة وقالت: "أنا أعرف هذه اللغة هل تتحدّثان العربية؟
أجاب بشارة: "نعم! اللغة العربية هي لغتنا الأم، ولكن كيف عرفت ذلك؟" قالت: "عندما كنت أصغر سنًّا بكثير، عملت كمعلمة في مدرسة مسيحيّة في القدس". ثم أضافت: "عندما أنهيت خدمتي، عدت إلى بلدي محبَطةً لأنّه لم تقبل يسوع كمخلّصٍ شخصيٍّ أيٌّ من طالباتي." ثم أضافت، "على مدى السنوات الأربعين الماضية كنت أصلّي من أجل إحدى طالباتي التي كان قلبها مفتوحًا لتلقّي الأخبار السارة. توقّفَتْ لبرهة ثم تابعت: "أتساءل ماذا حدث لهدى؟ عندما قالت: "هدى"، أصبح أخي وأختي أكثر فضولًا وقالا لها: "والدتنا اسمها هدى أيضًا، وقد درست في مدرسة مسيحيّة في القدس؟" هل هذه السيدة معلّمة هدى كتّاب؟ (اسم الأم قبل الزواج). بعد تبادل التفاصيل، اندهش أخي وأختي لأنهما كانا في محادثة مع السيدة بلاك، التي كانت معلّمة والدتهما قبل 40 عامًا وكانت تصلّي من أجلها منذ ذلك الحين. قالت إِلِيْن، "نعم! هدى هي أمّنا"، وأضاف بشارة، لقد استجيبت صلواتك لأن هدى من أتباع يسوع ونحن، أولادها، تأثّرنا بها لنتبع يسوع أيضًا. كانت السيدة بلاك غارقة في هذا الاكتشاف غير المتوقَّع، وانهمرت دموع الفرح على خدّيها. ثم اقترح بشارة على السيدة بلاك، "هل ترغبين في مقابلة طالبتك السابقة؟" فأجابت، "بالطبع!" في غضون أسابيع قليلة، رتّب بشارة لهدى رحلة من أوهايو إلى كاليفورنيا لمقابلة معلمتها.
كان لمّ الشمل مذهلًا، وشاركت هدى مع معلّمتها بعض النقاط البارزة لما حدث في حياتها خلال السنوات الـ 40 الماضية. أخبرتها عن اليوم الذي ذهبت فيه إلى الكنيسة في القدس وسمعت الأخبار السارة، وعن اللحظة التي رحّبت فيها بيسوع في حياتها. ثم تحدّثت عن لقاء إلياس عوض، الشاب الذي أصبح زوجها. وتحدّثت عن الحياة وتربية أطفالها في فلسطين خلال فترة الانتداب البريطاني. ثم تحوّل الحديث إلى الأحداث المأساوية لعام 1948 عندما عاشت العائلة في وسط تبادل لإطلاق النار بين الميليشيا اليهودية والجيش الأردني، وكيف قُتِل زوجها برصاص قنّاص يهوديّ. أخبرت هدى معلّمتها كيف أُجبِرت هي وأطفالها السبعة وحماتها على مغادرة منزلهم وجميع ممتلكاتهم والفرار إلى القدس الشرقية.
ثم حوّلت هدى الحديث إلى الجانب الأكثر إشراقًا من القصة، وأخبرت السيدة بلاك عن أمانة الله وصلاحه في خضمّ خسارتها الكبيرة وحسرة قلبها، وكيف تدخّل الله بأعجوبة بعد أعجوبة في توفير الصحة، والتعليم، والغذاء، والمأوى لها وللأسرة.
كانت صلوات السيدة بلاك فعّالة ليس فقط في جلب هدى إلى الإيمان بيسوع، ولكن أيضًا لمساعدة هدى على الوثوق بيسوع كراعيها ومُعِيلِها. أصبحت هدى عاملة مسيحيّة نشيطة وملتزمة تخدم المسيح في المنزل وفي الكنيسة وفي عملها كممرّضة قانونيّة في مستشفيات فلسطين والأردن.
بسبب مثال هدى وإيمانها، اتّبع أولادها طريقها وخدموا المسيح في أدوارٍ مختلفة. أصبح بشارة مؤسس كلّيّة بيت لحم للكتاب المقدس، وأصبحت أنا قسًّا ومعلّمًا. وانخرطت اختاي إلِيْن وديانا في التربية والتعليم في مدارس فلسطين. أما أخي مبارك فأصبح رائدًا في الدفاع عن حقوق الإنسان واللاعنف. كانت هدى ملتزمة بتعاليم المسيح في الموعظة على الجبل. وظلّت تقول لنا: "لا تنظروا إلى الوراء أبدًا، بل انظروا دائمًا إلى الأمام. لا تسألوا أبدًا لماذا يا الله؟ ولكن قولوا دائمًا، كيف يا الله؟ ولا تضمروا الكراهية في قلوبكم. بل سامحوا كلّ من أساء إليكم".
يشير لقاء السيدة بلاك وهدى بعد 40 عامًا إلى الحقيقة الكتابية القائلة: "مَنْ يزرَعْ بالدُّموعِ يَحصُدْ بالتَّرنيمِ. مَنْ يَذهَبْ باكيًا، وهوَ يَحمِلُ بُذورًا للزَّرعِ، يَرجِـعْ مُرنِّمًا وهوَ يَحمِلُ حُزَمَهُ." (المزامير 5:126-6 الترجمة المشتركة)
