المجلة
هذِهِ السِّتَّةُ يُبْغِضُهَا الرَّبُّ، وَسَبْعَةٌ هِيَ مَكْرُهَةُ نَفْسِهِ: عُيُونٌ مُتَعَالِيَةٌ، لِسَانٌ كَاذِبٌ، أَيْدٍ سَافِكَةٌ دَمًا بَرِيئًا، قَلْبٌ يُنْشِئُ أَفْكَارًا رَدِيئَةً، أَرْجُلٌ سَرِيعَةُ الْجَرَيَانِ إِلَى السُّوءِ، شَاهِدُ زُورٍ يَفُوهُ بِالأَكَاذِيبِ، وَزَارِعُ خُصُومَاتٍ بَيْنَ إِخْوَةٍ (أمثال 16:6-19).
لقد انتشرت روح الانتقاد ودينونة الآخرين في هذه الأيام، وقد تفشى هذا المرض الخبيث حتى بين المؤمنين، حتى صار هذا المرض مانعًا كبيرًا في سبيل خلاص النفوس ونمو الكنيسة وانتعاشها. لذلك أحببت في هذا المقال أن أقدم للقارئ الكريم بعض الأسباب لهذا المرض الساري ونتائجه الوخيمة وكيفية علاجه.
أولاً: أسباب الانتقاد
هناك أسباب كثيرة للانتقاد، أذكر منها:
- الضعف في الصلاة الفردية
وذلك لكثرة انشغالنا بالأمور العالمية، وعدم انتباهنا لحِيَل إبليس الذي يضع أمامنا بهرجة العالم بكل ما فيه من ملذات ومتع وقتية. ونسينا قول الحكيم سليمان الذي جرّب كل شيء ليرى ما هو الخير لبني البشر حتى يفعلوه تحت الشمس، فلخّص حياته بعشرة كلمات تعبر عن شعوره فقال: "باطل الأباطيل الكل باطل وقبض الريح ولا منفعة تحت الشمس".
- عدم التمرن على محبة الاخوة
لقد ترك الرب وصية تعتبر من أهم الوصايا وهي: "وَصِيَّةً جَدِيدَةً أَنَا أُعْطِيكُمْ: أَنْ تُحِبُّوا بَعْضُكُمْ بَعْضًا. كَمَا أَحْبَبْتُكُمْ أَنَا تُحِبُّونَ أَنْتُمْ أَيْضًا بَعْضُكُمْ بَعْضًا. بِهذَا يَعْرِفُ الْجَمِيعُ أَنَّكُمْ تَلاَمِيذِي: إِنْ كَانَ لَكُمْ حُبٌّ بَعْضًا لِبَعْضٍ"
(يوحنا 34:13-35). وقال سليمان الحكيم: "البغضة تهيّج الخصومات والمحبة تستر كل الذنوب" (أمثال 12:10). ويخاطب الرب يسوع الفريسيين بقوله: "ولماذا تنظر القذى الذي في عين أخيك، وأما الخشبة التي في عينك لا تفطن لها؟ أم كيف تقول لأخيك دعني أخرج القذى الذي من عينك وها الخشبة في عينك؟ يا مرائي، أخرج أولاً الخشبة من عينك وحينئذ تبصر جيدًا أن تخرج القذى من عين أخيك" (متى 3:7-5). ولله درّ الشاعر الذي قال: "عين المحب عن كل عيب ضريرة".
- الاعتقاد بأننا أفضل من إخوتنا
عندما تتجلى فينا هذه الروح نحاول أن نحكم على إخوتنا وكأننا أفضل منهم فننتقدهم بدون أن نصلحهم مع أن كلمة الله تقول: "أيها الإخوة، إن انسبق إنسان فأُخذ في زلّة ما، فأصلحوا أنتم الروحانيين مثل هذا بروح الوداعة، ناظرًا الى نفسك لئلا تجرّب أنت أيضًا" (غلاطية 1:6).
- الاتكال على البر الذاتي
بعدما أخطأ الانسان في جنة عدن ظهرت فيه محبة تبرير الذات. فعندما جاءه الله مفتشًا عنه، ناداه قائلاً: آدم، آدم! أين أنت؟ فقال: سمعت صوتك في الجنة فخشيت. ثم عندما سأله فيما إذا كان قد أكل من الشجرة التي أمره أن لا يأكل منها، قال: المرأة التي أعطيتني إياها هي أعطتني فأكلت". وهذا يعني بأن الحق ليس عليّ بل على المرأة.
- عدم النظر الى الناس بمنظار المسيح
لقد قال أحد المؤمنين الأفاضل. "إن كنت لا ترى المسيح فيّ فأرجو أن تراني في المسيح" .
ثانيًا: النتائج المخيفة التي تسببها روح الانتقاد
إن روح الانتقاد لها عواقب وخيمة، فهي:
- تسبّب الضعف في الخدمة، والضعف في الشهادة، والجفاف الروحي في الحياة، والفشل في الخدمة، والمانع الأكبر في ربح النفوس البعيدة للمسيح.
- تأخذ محل الرب في دينونة الآخرين لأن كلمة الرب تقول: "من أنت الذي تدين عبد غيرك. هو لمولاه يثبت أو يسقط.. وأما أنت فلماذا تدين أخاك؟".
- تجرّدنا من محبتنا للآخرين، وتجعل الناس لا يأتمنوننا.
- توّلد الخصومات والانشقاقات في الكنيسة. وتزرع الفتور وعدم الثقة في الآخرين.
- تسبب الفشل وتضعف روح الفرح والسلام الداخلي. وتسبب أيضًا حدّة الطبع والسقوط في الخطايا للشخص الذي ننتقده.
ثالثًا: العلاج لروح الانتقاد
- أن نحب الإخوة كما أحبهم المسيح إذ قال:
"هذه هي وصيتي أن تحبوا بعضكم بعضًا كما أحببتكم".
"من قال: إنه في النور وأبغض أخاه، فهو الآن في الظلمة. من يحب أخاه يثبت في النور وليس فيه عثرة. وأما من يبغض أخاه فهو في الظلمة، وفي الظلمة يسلك، ولا يعلم أين يمضي، لأن الظلمة أعمت عينيه" (1يوحنا 10:2-11). "ولكن قبل كل شيء، لتكن محبتكم بعضكم لبعض شديدة، لأن المحبة تستر كثرة من الخطايا" (1بطرس 8:4).
- الصلاة من أجل إخوتنا الضعفاء
ليكن لنا قلب صموئيل النبي الذي قال عن إخوته: "وأما أنا فحاشا لي أن أخطئ إلى الرب فأكفّ عن الصلاة من أجلكم" (1صموئيل 13:12).
عندما ننتقد إخوتنا نبرهن على فتورنا، وإهمالنا، وإفلاسنا الروحي، وضعفنا، وفقرنا، وعدم اهتمامنا بإخوتنا، وعدم اتكالنا على كلمة الرب، وعن المثال الذي تركه الرب لنا، الذي "إذ شُتم لم يكن يشتم عِوضًا، وإذ تألم لم يكن يهدد بل كان يسلّم لمن يقضي بعدل" (1بطرس 23:2).
- أن نقتفي خطوات الرب يسوع
بأن لا نجازي الشر بالشر بل نجازي الشر بالخير.
لقد قال أحد المؤمنين الأفاضل:
أن تجازي الخير بالشر فهذا عمل شيطاني، وأن تجازي الخير بالخير هذا عمل إنساني، ولكن أن تجازي الشر بالخير هذا عمل روحاني.
- الخوف من فقدان الشركة مع الرب
"إِنْ قُلْنَا: إِنَّ لَنَا شَرِكَةً مَعَهُ وَسَلَكْنَا فِي الظُّلْمَةِ، نَكْذِبُ وَلَسْنَا نَعْمَلُ الْحَقَّ. وَلكِنْ إِنْ سَلَكْنَا فِي النُّورِ كَمَا هُوَ فِي النُّورِ، فَلَنَا شَرِكَةٌ بَعْضِنَا مَعَ بَعْضٍ، وَدَمُ يَسُوعَ الْمَسِيحِ ابْنِهِ يُطَهِّرُنَا مِنْ كُلِّ خَطِيَّةٍ" (1يوحنا 6:1-7).
لقد قرأت مرة عن سبب الانتقاد هذه الكلمات: "لو قسمت كل خطايا البشر لوجدت أن نصفها هي خطايا اللسان. وهذا ما كتبه يعقوب الرسول: "لأَنَّنَا فِي أَشْيَاءَ كَثِيرَةٍ نَعْثُرُ جَمِيعُنَا. إِنْ كَانَ أَحَدٌ لاَ يَعْثُرُ فِي الْكَلاَمِ فَذَاكَ رَجُلٌ كَامِلٌ، قَادِرٌ أَنْ يُلْجِمَ كُلَّ الْجَسَدِ أَيْضًا. هُوَذَا الْخَيْلُ، نَضَعُ اللُّجُمَ فِي أَفْوَاهِهَا لِكَيْ تُطَاوِعَنَا، فَنُدِيرَ جِسْمَهَا كُلَّهُ. هُوَذَا السُّفُنُ أَيْضًا، وَهِيَ عَظِيمَةٌ بِهذَا الْمِقْدَارِ، وَتَسُوقُهَا رِيَاحٌ عَاصِفَةٌ، تُدِيرُهَا دَفَّةٌ صَغِيرَةٌ جِدًّا إِلَى حَيْثُمَا شَاءَ قَصْدُ الْمُدِيرِ. هكَذَا اللِّسَانُ أَيْضًا، هُوَ عُضْوٌ صَغِيرٌ وَيَفْتَخِرُ مُتَعَظِّمًا. هُوَذَا نَارٌ قَلِيلَةٌ، أَيَّ وُقُودٍ تُحْرِقُ؟ فَاللِّسَانُ نَارٌ! عَالَمُ الإِثْمِ. هكَذَا جُعِلَ فِي أَعْضَائِنَا اللِّسَانُ، الَّذِي يُدَنِّسُ الْجِسْمَ كُلَّهُ، وَيُضْرِمُ دَائِرَةَ الْكَوْنِ، وَيُضْرَمُ مِنْ جَهَنَّمَ. لأَنَّ كُلَّ طَبْعٍ لِلْوُحُوشِ وَالطُّيُورِ وَالزَّحَّافَاتِ وَالْبَحْرِيَّاتِ يُذَلَّلُ، وَقَدْ تَذَلَّلَ لِلطَّبْعِ الْبَشَرِيِّ. وَأَمَّا اللِّسَانُ، فَلاَ يَسْتَطِيعُ أَحَدٌ مِنَ النَّاسِ أَنْ يُذَلِّلَهُ. [لا يستطيع أحد من الناس، لكن الله قادر أن يُذَلِّلَه] هُوَ شَرٌّ لاَ يُضْبَطُ، مَمْلُوٌّ سُمًّا مُمِيتًا. بِهِ نُبَارِكُ اللهَ الآبَ، وَبِهِ نَلْعَنُ النَّاسَ الَّذِينَ قَدْ تَكَوَّنُوا عَلَى شِبْهِ اللهِ" (يعقوب 2:3-9).
إن مسك السيرة والتشهير بالغير سواء كان من جانب الرجال أو النساء هو أمر مخجل ومحزن لأنه يشارك إبليس في عمله. فلا تكن بوقًا في يد الشيطان يستخدمه لإشعال الخصام والفتن. فبدلاً من أن تستخدم لسانك في ذمّ الآخرين استخدمه في مدح الآخرين وبنائهم. "كن مسرعًا في الاستماع مبطئًا في التكلم" ولتكن صلاتك: "اجعل يا رب حارسًا لفمي وبابًا حصينًا على شفتي". فبدلاً من أن تنشغل في انتقاد الناس كن عاملاً في افتقادهم والسؤال عن سلامتهم لكي تكون بركة لنفسك ولغيرك أيضًا.
أرجو أن تصلي هذه الصلاة المترجمة بتصرّف عن صلاة فرنسيس الأسيسي:
"يا رب اجعلني آلة للسلام، فحيث توجد البغضة دعني أنثر بذور الحب. وحيث يوجد الأذى دعني أنثر بذور الصفح والغفران. وحيث يوجد الشك دعني أبذر بذور الإيمان والاطمئنان. وحيث الفشل دعني أنثر بذور الأمل والرجاء. وحيث الحزن دعني أنثر بذور الفرح والعزاء. دعني أعطي فأجد، ودعني أموت لكي تحيا أنت فيّ".