نشرة مع الخدام
إن من يرتقي المنبر لينادي بالإنجيل لا يجب أن يكون مؤمنًا عاديًّا، إنما ينبغي أن يكون مؤمنًا متقدِّمًا،
لأن خدمة الرب ليست أمرًا عاديًّا، لكنها عمل ممتاز يحتاج إلى نعمة ممتازة. فكما أن الجندي يجب أن يكون قويّ النظر، سليم البنية، ممتلئًا حيويّة ونشاطًا، هكذا من يريد أن يعمل في جيش الرب، يجب أن تكون له عين إيمانٍ قويّة، وقدم تصميمٍ ثابتة، ويد خدمةٍ نشيطة، ونبض تقوى سليمة، وأن يكون إنسانه الداخليّ كامل الصحة الروحية.
كم من إنسانٍ ضعيفٍ روحيًّا تقدّم لخدمة الرب، لكنه بعد قليل حين صادف نجاحًا انتفخ قلبه وأصيب بالكبرياء، فكانت النتيجة وبالاً على نفسه وعلى من يخدم بينهم. فمن يرد أن يرتقي المنبر واعظًا فعليه أولاً أن يطلب من الرب نعمة، لئلّا يسيء إلى نفسه ويسيء إلى غيره.
ثم إن الشخص الذي يريد أن يقوم بخدمة الوعظ يجب أن تكون سيرته بعد التجديد خالية من أي خطية مشينة. نعم، إن الذي يسقط بعد التجديد، ثم يرجع إلى الرب من كل قلبه، يجد عند السيد غفرانًا كاملاً، إلا أنه بالرغم من هذا لا يجب أن يقوم بالخدمة المنبرية، ذلك لأن الصيت كالزجاج متى خدش فلا يمكن إصلاحه.
ثم إن من يريد أن يعظ يجب أن يكون متسلّحًا بسلاح الله الكامل، فكما أن ملك آرام حين دخل في الحرب مع شعب الرب القديم أوصى جنوده ألّا يقتلوا أحدًا إلا أخآب الملك، هكذا عدوّ الخير، فإنه لا يبالي بالمؤمنين العاديين بقدر ما يهتم بأولئك البارزين الذين يظهرون على المنابر. لذلك يجب على الواعظ أن ينكر نفسه، وأن يتسلح بسلاح الله الكامل. إن الأمر يحتاج إلى قرب من الرب واتصال دائم بمنبع القوة.
إن نجاح الخادم يتوقّف على مقياس تقواه، فمتى نقص منسوب التقوى فإن الصلاة تصبح جافة، والخدمات غير قوية، كشمشون بعد حلق شعر رأسه، حاول أن ينتفض كما في الأول لكنه لم يعرف أن القوة قد فارقته.
إن ضعف قلب الإنسان يسبّب ضعف بقية الأعضاء... هكذا ضعف الخادم يقود إلى ضعف الآخرين. فالخادم على المنبر هو كالساعة التي على البرج، فمتى أخطأت الساعة التي في الميدان فإنها تضلّ الكثيرين! هكذا متى أخطأ الخادم تشبّه به الكثيرون وانحرفوا إلى طرق الضلال.
ثم إن الذي يرتقي المنبر يحتاج إلى نعمة فائقة لئلّا يسقط. فنحن حين نرى شخصًا متقدّمًا فإننا نحبّه ونكرمه، لكن هل نعلم أن هذا الإكرام قد يكون كسهم يمسك به الشيطان ليضرب به خادم الرب ويقوده ليتصوّر في نفسه بأنه شيء؟! وهناك سهم آخر أشدّ خطرًا على المؤمن من هذا، هو سهم المديح والإعجاب! فإن كان على الخادم أن يرحّب بالنقد البريء إلا أن أكثر شيء يجب أن يخافه هو كلمات المديح والثناء التي قد تأتيه من البعض. علينا أن نذكر أنه إن كان الله يستخدمنا لمجده، فالفضل في هذا يرجع إلى نعمته العاملة فينا، فلنحذر من أن ننسب شيئًا لأنفسنا لئلّا تفارقنا النعمة ونصبح معطِّلين لعمل الرب. لنطلب نعمة وقوة من قائدنا المنتصر حتى تكون حياتنا حياة التقوى والقداسة.
ثم إن الخادم يجب أن يتفق سلوكه مع التعليم الذي ينادي به. قيل عن أحدهم أنه كان يجيد فنّ الوعظ، حتى أن سامعيه المعجبين به كانوا يستمتعون جدًا بخدماته... لكن سلوكه كان منحرفًا جدًّا لدرجة أن الذين يعرفونه كانوا يقولون إن مثل هذا الشخص يجب ألّا يرتقي المنبر قط. فعلى المنبر كان يمثِّل دور أولاد الله، وفي الخارج كان يحيا حياة أولاد بليعال. إن العالم لا يثق بأشخاصٍ ذي وجهين، والبشر لا يصدقون أولئك الذين تتناقض أقوالهم مع تصرفاتهم. إن صوت الأعمال تكون دائمًا أعلى من صوت الكلمات الجميلة، فلنخدم ربنا بحياتنا قبل أن نخدمه بكلماتنا. إن سيدنا – له المجد – قد شهد له تلميذا عمواس بأنه كان مقتدرًا في الفعل والقول وأتباعه يجب أن يتشبّهوا به، فيكونوا مقتدرين في القول (أي في المناداة بالإنجيل)، والفعل (أي القدوة العملية). ولعلّ من أهمية الأعمال أن الروح القدس سجّل لنا «أعمال الرسل»، لكنه لم يسجل لنا مواعظ الرسل، مع أنها بلا شك كانت أقوى ما ألقي من مواعظ، ذلك لأن روح الله يهتم بالأعمال أكثر مما يهتم بالأقوال. فلندقِّق إذًا في حياتنا لأن عين الله تراقب صغيرها وكبيرها.
ثم إن من يخدم الإله القدوس يجب أن يكون كلّه مقدّسًا. كان الرب في القديم يشدّد على نقطة القداسة. فإن كان يجب على أواني الهيكل أن تتقدّس، فكم بالأولى كهنة الهيكل الذين كُتب عليهم «قدسٌ للرب»؟ نعم، «ببيتك تليق القداسة يا ربّ.»
في العهد القديم، حين كان الله يلمس شيئًا فإنه يتقدّس. حين نزل الرب على جبل سيناء تقدَّس الجبل، وكان محرّمًا على أي بهيمة أن تلمس الجبل، وإن مسّته لا بدّ أن تُقتل. كما أن تابوت عهد الرب المقدس كان لمسُه مُحرّمًا. فحين انشمصت الثيران حاملة التابوت، ومدّ عزة يده ليسند التابوت مات في الحال، لأنه لمس التابوت المقدّس. إن كانت هذه هي قداسة الله، فما هو مستوى القداسة الذي يجب أن يكون عليه أولئك الذين ينادون بكلمة الله؟ يقول الرب: