Voice of Preaching the Gospel

vopg

نشرة مع الخدام

من سير الأتقياء الذين سبقونا للمجد: في فجر يوم الأحد في 17 سبتمبر من عام 1967انطلق إلى المجد خادم الرب المتجول، والمبشر المعروف القس برنابا نوس

بعد حياة طويلة مباركة بلغت السبعين عامًا، امتلأت بأعمال حسنة صالحة وفاضت بخدمات انتعاشية ناجحة، وتبرعمت بأثمار روحية خالدة. ولست أريد هنا أن أسترسل في المديح والثناء لكي أوفيَه حقه، فإن "مدحه ليس من الناس بل من الله"، لكني أريد أن أطيل التأمل في حياته وشخصيته حتى أتعلم درسًا وآخذ عبرة، ليس لنفسي فقط بل لقرائي الأعزاء أيضًا. وما أكثر الدروس التي تعلمتها من حياته، فدعني أذكر لك بعضًا منها:

1) البساطة المتناهية: كانت بساطته تدهشني وتحيرني وتأخذ بمجامع قلبي. لم يكن فيها شيء من التصنّع أو الرياء، لكنها كانت طبيعية غير متكلّفة مثل بساطة الأطفال، بل كانت نموذجًا حيًا لوصية المسيح "كونوا بسطاء كالحمام". ولم تقتصر هذه البساطة على ناحية معينة، لكنها شملت كل شيء في الحياة، بساطة في المأكل والملبس... بساطة في الحديث والكتابة... بساطة في الوعظ والعمل الفردي... بساطة في التفكير والسلوك... هذه البساطة أضفت على كل تصرفاته ومواعظه طابعًا مميزًا وأسلوبًا خاصًا لا يجاريه فيه أحد. وإذا تساءلنا: لماذا أنجحه الله وأعطاه الله نفوسًا أكثر من غيره؟ فإن أول ما يجب أن نضعه في الحسبان هو "بساطته المتناهية"، البساطة التي لا تعقيد فيها... .

2) الطاعة الكاملة: وهذه وليدة البساطة، التي لا تتساءل أو تتردّد بل تطيع في الحال وتنفذ على الفور. لما جاءته الدعوة للتفرّغ لخدمة الرب أغلق محل تجارته وأطاع الصوت. ولما طلب منه الرب أن يترك وظيفته كمبشر في الإرسالية، ويتخلى عن مرتبه ويعيش بالإيمان، لم يستشر أحدًا، ولم يتردد لحظة. ولما لم يسترح ضميره على الاستمرار في التأمين على الحياة، ألغى البوليصة وتوقف عن دفع الأقساط في الحال. وكان في كل رحلاته وتجواله يقدس إرادة الله، معطيًا لها المقام الأول فوق كل اعتبار آخر.

3) الصلاة في كل حين: لم تقتصر صلاته على أوقات معينة، أو على أماكن العبادة، لكنها كانت مستمرة بالليل والنهار، في الكنائس والجمعيات، في البيوت والشوارع، في الدكاكين وأماكن العمل. لقد عاش كل أيام حياته في جو الصلاة، وشجع الكثيرين على الصلاة. كان يواظب على اجتماع للصلاة يُعقد في مصر الجديدة كل يوم خميس ويستمر طول الليل حتى الصباح، وذلك رغم شيخوخته وعدم تحمّله برودة الشتاء القارس.

4) الاتكال الكلي على الرب: وهذا جعله يرفض الاتكال على الناس، ويغضّ الطرف عن كل الوسائط والمعونات البشرية. عرض عليه أحد الأثرياء المؤمنين أن يدفع له مرتبًا ثابتًا كل شهر دون أي قيد أو شرط، لكنه اعتذر وأشار عليه أن يقدم عطيته لمن هم أكثر منه احتياجًا. ولما نشرت بعض المجلات الدينية في بلاد الغرب مقالات عنه، وصورًا للنهضات التي استخدمه الرب فيها، خشي أن يكون الهدف منها هو الإعلان والدعاية، وليس تمجيد الله، فمزقها وأحرقها. ولما قُدّمت له شهادة الدكتوراه الفخرية أثناء زيارته لأميركا، خاف لئلا تشغله أو تعطّله عن خدمة ربح النفوس، فلم يهدأ ولم يسترح قلبه إلا بعد أن ألقاها في النار.

5) المجاهرة بالحق: لم يكن القس منتميًا لطائفة أو كنيسة معينة، بل كان شعاره "العالم كله أبرشيتي". لم يكن له تعاليم طائفية من صنع البشر، لكن كان له تعليم الكتاب الذي هو فكر الله. وقد استخدم هذه الحرية التي ميّزه الله بها أفضل استخدام، فخدم في جميع الكنائس والجمعيات من مختلف الطوائف المسيحية، وجاهر بما يعتقد أنه حق الله سواء اتفق مع أفكار البشر أو لم يتّفق. وهذا التمسّك بالحق الإلهي أعطاه قوة إلهية لإعلان الحق بشجاعة وصراحة، في كل مكان سواء على منابر الوعظ أو في المناسبات كالأفراح والجنازات.

6) التثقّل بالنفوس: لم يكن هدفه من الوعظ تهذيب الناس أو إصلاحهم أو تعليمهم، بل ربحهم للمسيح. لذلك كان يصر على جذب الشبكة وتدعيم التأثيرات عقب كل عظة، فيطلب من المستمعين أن يحدّدوا موقفهم ومصيرهم في نفس الساعة. وهذه صفة مميّزة يفتقر إليها الكثيرون من الوعاظ مما يجعل مواعظهم المؤثرة شررًا متطايرًا وهباء منثورًا.
ورغم نجاحه في خدمة المنبر لم يضعف اهتمامه بالعمل الفردي، فكان يوزع النبذ ويتحدث عن المسيح مع الذين يتقابل معهم في القطارات والأتوبيسات، وفي الزيارات ومفترق الطرق. وقد ظلّ تثقُّله بالنفوس ملازمًا له حتى يوم الأحد الأخير من حياته إذ تحدّث إلى سائق التاكسي الذي استقلّه عقب خروجه من الكنيسة، عن الأبدية ووجوب الاستعداد لها، وأعطاه نبذة ليقرأها.

7) تشجيع الأحداث والمبتدئين في الخدمة: ما أكثر خدماته التي قام بها في اجتماعات الشباب ومؤتمرات الشباب، منبِّرًا على ضرورة التكريس الكامل للرب، والامتلاء من الروح القدس. تلك المواعظ التي حملت أشهى الثمار، وجعلت من أولاده في الإيمان خدامًا مكرّسين للرب، فالبعض منهم أصبحوا رعاة، والبعض الآخر مبشرين. وبينما ينظر بعض الخدام المتقدمين في السن إلى الخدام الأحداث وكأنهم منافسون لهم، كان القس برنابا يبذل كل جهده في تشجيعهم ويشترك معهم في النهضات التي يقومون بها عن طريق الزيارات وعقد حلقات الصلاة.
لذلك لا عجب إن كان الرب قد أنجح طريقه، وتمم معه الوعد المبارك "حاشا لي، فإني أكرم الذين يكرمونني." وإذ أتأمل في إكرام الرب له، أجده فائضًا ملبّدًا ومهزوزًا...

فقد أكرمه الرب في طول حياته وكثرة أيامه، وحقق له أمنيته أن يستمر في خدمة الرب حتى النفس الأخير، دون أن يتقاعد أو ينام على فراش المرض، وهكذا تم فيه قول الكتاب: "مات شيخًا وشبعان أيامًا."
وأكرمه الرب في صحته رغم وجود شوكة في الجسد هي مرض السكري الذي لازمه أكثر من ثلاثين عامًا، ومع ذلك لم يكن له تأثير كبير عليه، ولم يحدّ من نشاطه، أو يعطله عن خدمته التجوّلية. وأكرمه الرب فحفظ نظره حتى النهاية، رغم إصابته بالانفصال الشبكي في إحدى عينيه وبالمياه الزرقاء في العين الأخرى، ورغم أن طبيب العيون أخبره أنه سيفقد بصره بعد خمس سنوات وكان عمره وقتئذ عشرين سنة.

وأكرمه الرب زمنيًا، فسدد له كل احتياجاته، ولم يعوزه شيء من الخير. ووهبه في نسله، فأعطاه أولادًا وبناتًا وأحفادًا يبلغ عددهم ثلاثين نفسًا، يقتفون أثره في طريق الإيمان.

وأكرمه الرب روحيًا، فمتّعه باختبارات مجيدة، وبركات غزيرة، وتعزيات غامرة، وأفراح لا يُنطق بها في خدمته، فنجح أينما ذهب، وربح نفوسًا حيثما كرز بالإنجيل، واتسع حقل خدمته فشمل الجمهورية العربية من أدناها إلى أقصاها، وامتدّ إلى الأقطار الشقيقة فشمل لبنان وسوريا والأردن والسودان، واتسع حتى وصل إلى القارة الأوروبية والأمريكية.

وأكرمه الرب في موته، فلم يمكث في فراش المرض سوى أربعة أيام، ظل خلالها متنبهًا حتى النهاية، مستمرًا في الشركة مع الرب، ومن حوله أولاده في الإيمان، وأفراد عائلته، يرفعونه بالصلاة. وفي الساعة الرابعة صباحًا، رفع قلبه إلى الله مقدمًا صلاة الشكر والتسليم، وما أن ختم صلاته وقال آمين حتى انطلقت روحه إلى المجد. لقد رقد في هدوء وطمأنينة وسلام. نعم، لقد رقد في الرب.

والآن، بعد غروب هذه الشمس الساطعة، وبعد انتهاء هذه الحياة الفريدة من نوعها، يحضرني هذا السؤال: يا ترى، هل يوجد من سيحلّ محل القس برنابا؟ هل سيظل مكانه شاغرًا؟ يقول عدم الإيمان: "لا يوجد. هذا محال." أما الإيمان فيقول: "إن الله قادر أن يقيم من هذه الحجارة أولادًا لإبراهيم." والكلمات التي سمعها الشاب مودي قديمًا، والتي حوّلته إلى إنسان آخر، وصيرته من أعظم المبشرين وأنجحهم، ما زال يتردد صداها حتى يومنا هذا: "إن العالم لم يشهد بعد ما يستطيع الله أن يعمله بالنفس التي تتكرس له تمامًا."

فيا ترى، من الذي سيشغل المكان الخالي؟ ومن الذي سيضم صوته إلى مودي، ويقول: "بنعمة الله، سأكون أنا ذلك الرجل.

المجموعة: 2020

logo

دورة مجانية للدروس بالمراسلة

فرصة نادرة تمكنك من دراسة حياة السيد المسيح، ودراسة حياة ورسائل بولس الرسول. عندما تنتهي من هاتين الدراستين تكون قد أكملت دراسة معظم أسفار العهد الجديد. تتألف كل سلسلة من ثلاثين درسًا. تُمنح في نهاية كل منها شهادة خاصة. للمباشرة بالدراسة، أضغط على خانة الاشتراك واملأ البيانات. 

صوت الكرازة بالإنجيل

Voice of Preaching the Gospel
PO Box 15013
Colorado Springs, CO 80935
Email: عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.
Fax & Tel: (719) 574-6075

عدد الزوار حاليا

65 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع

إحصاءات

عدد الزيارات
10662065