نشرة مع الخدام
عند قراءتنا في الكتاب المقدس، نجد أن الروح القدس كان ظاهرًا ومعروفًا منذ البداية، ففي تكوين 2:1 نقرأ أنّ "رُوحُ اللهِ يَرِفُّ عَلَى وَجْهِ الْمِيَاهِ". وكان ذلك زمن خلق العالم.
كذلك نقرأ في أسفار العهد القديم بأن روح الله القدّوس كان يعطي قوة لشعب الله من أجل عمل ما يريده الله.
وقد ظهرت هذه القوة بطرق مختلفة في أزمنة العهد القديم، حيث حلّ الروح القدس على أشخاص مختلفين وأعطاهم القوة والقدرة لإنجاز مهامٍ مختلفة. وبحسب العهد القديم، فإن حضور الله كان على إسرائيل كأمة أو شعب أكثر مما كان لأشخاص منفردين.
أما الإشارات التي تدلّ على وجود الروح القدس بين الشعب القديم فكانت الريح والنار والكلام الموحى به أو الألسنة المختلفة.
ونقرأ في يوئيل 28:2-29 وعد الله بحلول الروح القدس بشكل مختلف كليًا في وقت سيأتي في المستقبل، حيث نقرأ: "وَيَكُونُ بَعْدَ ذَلِكَ أَنِّي أَسْكُبُ رُوحِي عَلَى كُلِّ بَشَرٍ فَيَتَنَبَّأُ بَنُوكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَيَحْلَمُ شُيُوخُكُمْ أَحْلامًا وَيَرَى شَبَابُكُمْ رُؤًى. وَعَلَى الْعَبِيدِ أَيْضًا وَعَلَى الإِمَاءِ أَسْكُبُ رُوحِي فِي تِلْكَ الأَيَّامِ."
ونقرأ في العهد الجديد بأن التحضير ليوم الخمسين، أي لحلول الرّوح القدس على كنيسة الرّب يسوع، قد بدأ في خدمة يوحنا المعمدان الذي دعا الناس إلى التوبة وعمّدهم قائلًا في مرقس 8:1 "أَنَا عَمَّدْتُكُمْ بِالْمَاءِ وَأَمَّا هُوَ فَسَيُعَمِّدُكُمْ بِالرُّوحِ الْقُدُسِ."
كذلك وعد الرب يسوع المسيح تلاميذه كثيرًا بمجيء الروح القدس (راجع يوحنا 16:14؛ 26:14؛ 7:16،13). أي أن الرب يسوع بيّن لتلاميذه حاجتهم للروح القدس من أجل قيادتهم وإرشادهم في خدماتهم وحياتهم اليومية، وهذا يعني بأنّهم لن يستطيعوا الخدمة وممارسة الحياة المسيحية بكل مظاهرها بدون الروح القدس.
مثال: ذهبت مجموعة من المسّاحين إلى منطقة جبلية في فلسطين لإعداد خارطة جديدة للمنطقة. وهناك نصبوا خيامهم في أسفل الجبال، وكانوا كل صباح يتسلقون الجبال الوعرة من أجل رسم خرائطهم، ثم يعودون في المساء إلى خيامهم. والذي حصل أنه من لحظة وصولهم، جاء راعٍ من المنطقة ورافقهم كل يوم في رحلتهم الجبلية، وكان في الليل يتسامر معهم حول النار ويتبادل معهم القصص والأحاديث المختلفة.
وبعد عدة أيام ملّ المسّاحون من الراعي، وطلبوا منه أن لا يرافقهم في رحلتهم الجبلية حيث قالوا له: لقد أصبح لدينا الآن خريطة للجبل، ولا حاجة لك أن تأتي لترشدنا. فقال الراعي: "ولكنني أعرف المنطقة جيدًا وأحب أن أرافقكم لأرشدكم." فقالوا له: "لا حاجة لنا بك، فالخرائط تكفي." فأجابهم: "ولكن لا يوجد ضباب في خرائطكم." فلم يهتموا لقوله ورفضوا صعوده معهم إلى الجبل.
وفي اليوم التالي، صعد المسّاحون إلى الجبل لإكمال عملهم، وفجأة امتلأ الجبل من الضباب، وأضاع المساحون طريقهم، ولم يعرفوا إلى أين يتجهوا، وصرفوا كل النهار في دائرة مغلقة، تائهين وضائعين في الجبال الوعرة. وفجأة ومن وسط الضباب، ظهر لهم الراعي وقادهم بكل هدوء إلى خيامهم في الوادي أسفل الجبل.
نحن نشبه المساحين كثيرًا، فنعتقد أن لدينا القوة والوسائل لكي نصعد دروب الحياة ونسير في طرقها الصعبة بقوتنا وذكائنا ومعرفتنا، وبدون الاعتماد على روح الله القدوس، ولكن الروح القدس يقول لنا وبكل محبة: "أريد أن أرافقكم وأشجعكم وأعينكم"، ولكنّنا كثيرًا ما نتجاهل الروح القدس، ونسير بحسب الخرائط التي وضعناها بأنفسنا للطريق التي نريد أن نسلكها في العالم، وكثيرًا ما نضيع.
إن قائدنا ومرشدنا في الحياة المسيحية هو الروح القدس الذي يسكن بيننا، وهو يريد أن يرافق كل فرد منا في رحلة الحياة الصعبة والمضنية.
نقرأ في أعمال الرسل 3:2-4 "وَظَهَرَتْ لَهُمْ أَلْسِنَةٌ مُنْقَسِمَةٌ كَأَنَّهَا مِنْ نَارٍ وَاسْتَقَرَّتْ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ. وَامْتَلأَ الْجَمِيعُ مِنَ الرُّوحِ الْقُدُسِ وَابْتَدَأُوا يَتَكَلَّمُونَ بِأَلْسِنَةٍ أُخْرَى كَمَا أَعْطَاهُمُ الرُّوحُ أَنْ يَنْطِقُوا."
نجد هنا حقيقة عظيمة ومجيدة، فحتى تلك اللحظة، أي حتّى يوم الخمسين بعد قيامة الرّب يسوع، كان الروح القدس بشكل عام يُعطى للشعب أو الجماعة ككل، ولكن في يوم الخمسين كانت عطية الروح القدس لكل شخص بمفرده، فكل إنسان من الحاضرين في العلية حصل على الروح القدس. ونلاحظ هنا أن الفعل هو "استقرّت" ومنها كلمة استقرار أي بقاء، فالروح القدس لم يأتِ إلى التلاميذ ليكون معهم لفترة محددة، بل ليكون معهم دائمًا... ليستقر في حياتهم!
بعد حلول الروح القدس نجد أن التلاميذ بدأوا يتكلمون بألسنة أخرى، وواضح من الآية في أعمال الرّسل 6:2 بأن هذه الألسنة كانت لغات مفهومة ومعروفة، حيث نقرأ أن "الْجُمْهُورُ تَحَيَّرُوا لأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ كَانَ يَسْمَعُهُمْ يَتَكَلَّمُونَ بِلُغَتِهِ." وفي الآيات 8-11 من نفس الأصحاح لدينا قائمة مفصّلة باللغات التي تكلم بها التلاميذ "نَسْمَعُ نَحْنُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنَّا لُغَتَهُ الَّتِي وُلِدَ فِيهَا: فَرْتِيُّونَ وَمَادِيُّونَ... كِرِيتِيُّونَ وَعَرَبٌ نَسْمَعُهُمْ يَتَكَلَّمُونَ بِأَلْسِنَتِنَا بِعَظَائِمِ اللهِ؟".
كان ردُّ فعل الحاضرين في أورشليم يومها متضاربًا، فمنهم من تحيّر وارتاب، ومنهم من تساءل: ما عسى أن يكون هذا؟ ومنهم من استهزأ وقال بأن التلاميذ كانوا سكارى.
بعد ذلك وقف بطرس الرسول يخاطبهم وقال لهم بأن ما جرى كان تتمة لوعد الله بلسان نبيه يوئيل عن انسكاب الروح القدس في الأيام الأخيرة. وطبعًا كان هذا إتمامًا لنبوة يوحنا المعمدان بأن الرب يسوع سيعمّد الكنيسة بالروح القدس، كما وكان إتمامًا لوعد الرب يسوع في أعمال 8:1 "لَكِنَّكُمْ سَتَنَالُونَ قُوَّةً مَتَى حَلَّ الرُّوحُ الْقُدُسُ عَلَيْكُمْ وَتَكُونُونَ لِي شُهُودًا فِي أُورُشَلِيمَ وَفِي كُلِّ الْيَهُودِيَّةِ وَالسَّامِرَةِ وَإِلَى أَقْصَى الأَرْضِ."
السؤال المهم هنا: ماذا قصد الله من حلول الروح القدس على التلاميذ؟ وكيف نطبق هذا الحق على الكنيسة اليوم؟
1. قال الرب يسوع لتلاميذه أن الروح القدس سيكون مصدر القوة للشهادة. وهكذا فالكنيسة مدعوّة للشهادة وبقوة الروح القدس. فهل نشهد للرب يسوع؟ وهل لدينا الطاقة والقوة للشهادة؟ وهل الروح القدس قائدنا ومعيننا في الشهادة؟ نقرأ في زكريا 6:4 "لاَ بِالْقُدْرَةِ وَلاَ بالْقُوَّةِ بَلْ بِرُوحِي قَالَ رَبُّ الْجُنُودِ."
2. كذلك نحن بحاجة للروح القدس اليوم حتى نستطيع أن نحيا حياة القداسة ونبتعد عن العالم بخطاياه وشروره بقوة الروح القدس. فبدون الروح القدس نسقط في عالم الخطية والرذيلة ولا نستطيع مواجهة شهوات وإغراءات إبليس التي تأتي بصور مختلفة. نقرأ في أفسس 18:5 "وَلاَ تَسْكَرُوا بِالْخَمْرِ الَّذِي فِيهِ الْخَلاَعَةُ، بَلِ امْتَلِئُوا بِالرُّوحِ." وفي رومية 14:8 "لأَنَّ كُلَّ الَّذِينَ يَنْقَادُونَ بِرُوحِ اللهِ فَأُولَئِكَ هُمْ أَبْنَاءُ اللهِ."
والسؤال الذي علينا كأفراد في الكنيسة أن نطرحه على أنفسنا: هل نختبر حقًا وجود الروح القدس في حياتنا؟ وهل لدينا القوة من أجل التبشير والشهادة برسالة الخلاص؟ وهل لدينا القوة لنعيش حياة القداسة والانتصار على الخطية وشهوات هذا العالم الرّديّة؟
هل يستطيع أي واحد منا أن يقول بقوة وبجرأة: أنا فعلًا أختبر حضور الروح القدس وقيادته لحياتي.
أنا فعلًا اختبرت تغييرًا حقيقيًا في حياتي بعمل الروح القدس الحال فيّ.
صلاتي أن نكون جميعًا مؤمنين حقًا بالروح القدس، فهو الأقنوم الثالث في الله الواحد. وعمل الروح القدس في حياة الكنيسة هو أساس الحياة المسيحية المنتصرة.
عليك أن تدرك حاجتك إلى عمل الروح القدس في حياتك.
اطلب اختبار الامتلاء بالروح القدس من أجل الخدمة (أعمال 31:4).
صلّ لكي يمتلئ قلبك بمحبة الله، والّتي هي ثمر وعمل الروح القدس. نقرأ في رومية 5:5 "لأَنَّ مَحَبَّةَ اللهِ قَدِ انْسَكَبَتْ فِي قُلُوبِنَا بِالرُّوحِ الْقُدُسِ الْمُعْطَى لَنَا."
صلِّ إلى الله لكي تعرف مشيئته وما يريده منك أن تعمله بقوة الروح القدس.
اعمل بالإيمان: آمن بأن الله حقًا قد أعطاك الروح القدس، وأن الروح القدس مستقرّ في حياتك. وأن عليك أن تبدأ من جديد بقوة الروح القدس الساكن في حياتك، تمامًا كما نقرأ في كورنثوس الأولى 19:6 "أَمْ لَسْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنَّ جَسَدَكُمْ هُوَ هَيْكَلٌ لِلرُّوحِ الْقُدُسِ الَّذِي فِيكُمُ الَّذِي لَكُمْ مِنَ اللهِ وَأَنَّكُمْ لَسْتُمْ لأَنْفُسِكُمْ؟"