Voice of Preaching the Gospel

vopg

كتب روحية

فهرس المقال


الكلمة الثالثة: أمرٌ ملكيّ

"فَلَمَّا رَأَى يَسُوعُ أُمَّهُ، وَالتِّلْمِيذَ الَّذِي كَانَ يُحِبُّهُ وَاقِفًا، قَالَ لأُمِّهِ: «يَا امْرَأَةُ، هُوَذَا ابْنُكِ». ثُمَّ قَالَ لِلتِّلْمِيذِ: «هُوَذَا أُمُّكَ». وَمِنْ تِلْكَ السَّاعَةِ أَخَذَهَا التِّلْمِيذُ إِلَى خَاصَّتِهِ." (يوحنا 26:19-27)

في هذه الكلمة الثالثة التي نطق بها يسوع على الصليب نرى شخصيات الذين بكوا على موته. نعم، فقد كان هناك من يبالي بالمصلوب. كان هناك جماعة شفوقة مثكلة مأخوذة ببشاعة ما يحدث. وكم كان التناقض واضحًا بين هيئة الشفقة الصغيرة وجمهور الشامتين الساخطين حول الصليب.
وعلى رأس هيئة الشفقة وقفت امرأة ثكلَ الحزنُ قلبها. فقد كان المصلوب هو ابنها الوحيد. وكانت تعاني كثيرًا في حياته لأنه لم يكن ابنًا عاديًا كباقي الأبناء. فقد كان تجار الإشاعات يجرحون قلبها وهم يتهكّمون على ولادته الشاذة والمعنى الوحيد الذي يمكن أن يفسر مثل هذه الولادة: "إننا لم نولد من زنا، لنا أب واحد وهو الله." (يوحنا 41:8)
وفي مرات كثيرة وجد يسوع نفسه مضطرًا أن يضحي بوقت العشرة مع أمه وعائلته ويفتدي الوقت من أجل خدمة النفوس المحتاجة. وكم كان ذلك يحزّ في نفسه... جاء إليه واحد يقول له: "هوذا أمك وإخوتك واقفون خارجًا طالبين أن يكلّموك. فأجاب يسوع وقال له: "من هي أمي؟ ومن هم إخوتي؟" ثم مدّ يده نحو تلاميذه وقال: "ها أمي وإخوتي." (متى 46:12-50) أما الآن حيث تقف مريم عند الصليب كانت تسترجع كلمات سمعان الشيخ التي تنبّأ بها في الهيكل عندما حمل يسوع على يديه في طفولته "وأنتِ أيضًا يجوز في نفسك سيف." (لوقا 35:2)
ومن بين جماعة الشفقة الصغيرة كانت خالة يسوع وهي أم ابنَي زبدي يعقوب ويوحنا. كانت هناك شفقة بابن أختها وما آل إليه أمره ورحمة بأختها مريم الأرملة الحزينة. وكان هناك أيضًا مريم زوجة كليوباس أخو يوسف النجار. كانت قد جاءت إلى أورشليم حتى تكون مع الأسرة في محنتها. وعلى رأس الكل كانت مريم المجدلية، المرأة التي أبرأها يسوع من سبعة شياطين. المرأة التي كان قلبها يلهج في كل نبضة منه بالشكر والعرفان لجميل محبته وصنيعه معها. وهي المرأة التي خفق قلبها بحب يسوع أشدّ الخفقان، وكانت المجدلية تمثّل جماعة الذين باركهم يسوع بخدمته ومعجزاته.
وكان يوحنا الحبيب هناك. كان الوحيد من الثلاثي المقرّب ليسوع "بطرس ويعقوب ويوحنا" عند الصليب. ظل يوحنا مخلصًا لسيده حتى اللحظة الأخيرة رغم خطورة وجوده عند الصليب في ذلك الوقت. وهكذا اجتمع عند قدميه أقرب وأعزّ الناس إليه في الأرض، فهل كان عند يسوع شيئًا يقوله لهذه الجماعة؟ إنه لا يخذلهم فيختار اثنين من المجموعة، مريم أمه ويوحنا تلميذه ويتحدّث إلى كل واحد منهما. ونحن إذ نتأمل فيما قاله لهما نندهش. فقد جاءت كلماته مخالفة لما كنا ننتظره منه. إنه يتحدث كرب فيعطي أمرًا إلى مريم ويوحنا كما لو كان ملكًا على عرشه. إنه يعيّن الواجبات ويحدّد المسؤوليات لأمِّه وتلميذه ونفسه. إنه ينظِّم الذين أحبوه بعلاقتهم بالصليب.

أولاً: مريم أمه
تكلم يسوع وهو على الصليب إلى أمه أولاً. ونحن نتساءل: أي مركز وامتياز يمكن أن يقدمه لها؟ وأي مكانة تنتظرها في ملكوته المنتظر؟ إن الكلمة الثالثة التي نطق بها يسوع على الصليب تشير إلى العلاقة القريبة التي تربط بين يسوع ومريم. باعتبار الجسد، هي أمه وهو ابنها. وقد كانت هذه العلاقة علاقة ثمينة بالنسبة لمريم. أما بالنسبة ليسوع فإنه يعبّر عن هذه العلاقة بقوله: "يا امرأة، هوذا ابنك." والحقيقة أنه يكسر العلاقة التي تربطه بها. فهو يطلب منها أن تنظر إلى ابنها الجديد ولا يثير التفاتها إلى نفسه بل إلى تلميذه يوحنا. ولعله أراد أن يقول لها: من الآن فصاعدًا ليكن يوحنا ابنك لا أنا.
ونلاحظ أنه لا يناديها من على الصليب بلقب الأم بل يقول لها: "يا امرأة". ونحن لا نشك في طبيعة الاحترام والتقدير التي تضمنتها هذه الكلمة، ولا نقدر أن نتساءل، لكن منذ هذه اللحظة فصاعدًا انقطعت صلة الجسد بين يسوع ومريم بسبب العمل الفدائي على الصليب.

ثانيًا: يوحنا التلميذ
وعندما يشير يوحنا إلى وجوده عند الصليب، يعرفنا دائمًا بشخصه أنه "التلميذ الذي كان يسوع يحبّه" وهذا تعريف مجيد! ولا نقدر أن نقول إن يسوع أحبّ يوحنا أكثر مما أحب الآخرين. ولكن يبدو أن يوحنا كانت له طاقة كبيرة وعزيمة للشعور بهذه المحبة والامتنان بها أكثر من الباقين. إنه شيء رائع حقًا أن يعرف الإنسان أنه التلميذ الذي كان يسوع يحبّه. إن الكلمة الثالثة على الصليب تجعل يوحنا مسؤولاً عن أم يسوع بقية أيامها في الجسد. ثم قال للتلميذ: "هوذا أمك." إنها مسؤوليتك يا يوحنا أن تكون ابنًا بديلاً وهو عملك في ضوء تضحيتي أن تكون عزاءًا ملازمًا لها.
ويحدثنا التقليد المسيحي أن يوحنا فهم مكانه، ومسؤوليته تتضمن الحياة المادية لمريم طوال أيام عمرها. ويقول مصدر من مصادر التقليد: إنها عاشت مع يوحنا في أورشليم نحو 11 سنة حتى ماتت. ويقول مصدر آخر: إنها عاشت معه في أفسس ثم ماتت هناك. لكن الشيء الأهم هو أن يكون يوحنا مُخلصًا في المسؤولية التي حملها، وقد كانت هذه المسؤولية تعني الكثير بالنسبة له. كانت إرسالية يوحنا أن يكون بديلَ يسوع. وهل هناك إرسالية في الوجود أعظم وأجمل من ذلك؟ وهو شيء قانوني لكل واحد منا أن يعتبر كل المؤمنين ممثَّلين في شخص يوحنا في هذه المهمة. وهل نقدر أن نقول إن جسد فادينا المادي قد عاد بالصعود إلى الآب، فلا يخيم في الأرض حتى ينتهي عصر الإنجيل، لذلك يجب أن يحمل تلميذه المحبوب كل المسؤوليات التي كان عليه أن يتممها لو أنه بقي في الجسد. إن يسوع يتوقّع أن يذهب كل منا إلى الأماكن التي تحتاج إلى إرساليته، ونخبر بقصة النعمة المخلِّصة كما فعل يوحنا وأمثاله.
لاحظ هنا أنه في العهد الجديد المسيح هو رأس الكنيسة، والعضوية تتكوّن من الجسد. والجسد البشري له أعضاء كثيرة، ولكل واحد عمله. وهذا الجسد الذي نسمّيه الكنيسة له أعضاء كثيرة تقوم بأعمال مختلفة. وكل عضو يجب أن يكون تحت قيادة الرأس، يفعل ما يأمر به الرب بدلاً عنه وكأنهم يعملون نيابة عن الرب. إن الرب يسوع هو القادر على كل شيء، فحتى لو فشلنا في الخدمة فهو يستطيع أن يجول ويكرز بنفسه بطرقه الخاصة... صحيح أن الرب يريدنا أن نكون شهودًا لإنجيله لكنه يبقى هو الشاهد الأمين.
وهنا مسؤولية لا نقدر أن نتجاهلها باحتقار الصليب. فعندما تصل محبته لك ولي من مكان صليبه، فهي تأتي بالمسؤولية المحددة لإرسالية مقدسة لا تجرؤ على إهمالها. إن امتيازنا هو أن نسدد احتياج الرب بأن نكون شهودًا أمناء له.
كان "ميكونيس" واحدًا من أصحاب مارتن لوثر الأعزاء، بل أخًا زميلاً لسنوات عديدة معه في نفس الدير. وكان قد عرف بعزم لوثر على ترك صومعته مستجيبًا لدعوة الله فيذهب إلى العالم مناديًا بالإنجيل. وقد عبّر عن رغبته ومشاركته ومشاعره، ولكنه قال: "ربما أستطيع أن أساعدك أكثر حيث أنا، فسوف أبقى هنا في الدير وفي سكونه وعزلته أصلّي لك وأنت تحدّث العالم الخارجي. كان "ميكونيس" صادقًا في تعهّده، فقد كان يصلّي كل يوم حتى يبارك الرب مجهودات لوثر. ولكنه بعد أن صلى شعر بعدم الراحة فلم يقوَ على النوم ليلاً كما كانت عادته في صومعته. وفي ليلة من الليالي القلقة حلم حلمًا غريبًا، فقد ظهر له المخلص وأظهر له جروحه في اليدين والقدمين من أجل خطايا العالم. ولم يتأكد ميكونيس من ثمن خلاصه قبل ذلك. ثم قال له المخلّص: "اتبعني أنت." وأخذه الرب إلى جبل عالٍ وطلب إليه أن ينظر إلى الشرق، ورأى سهلاً كبيرًا واسعًا كما استطاعت له الرؤية، مليئًا بآلافٍ مؤلَّفة من القطعان، ورأى واحدًا يحاول أن يقودها، وخُيِّل إليه أن الراعي هو مارتن لوثر. ثم أشار المخلّص إلى الغرب، فرأى حقلاً من القمح ممتدًّا كما لو كان إلى نهاية العالم، وظهر شخص واحد يحاول أن يحصد الحقل كله. ونظر الرجل مدقّقًا فعرف في الحاصد شخصية مارتن لوثر وكان متعبًا ومجهدًا لكنه مثابرًا في عمله. وكان الأمر قاسيًا على ميكونيس فقد قال له الرب: "ارعَ غنمي. واحصد حقوله." وصرخ الرجل بعد أن استيقظ: "لا يكفي أن أصلي في صومعتي... يجب أن أرعى غنم الرب وأحصد حقوله... هأنذا يا رب أرسلني... وخرج من الدير حتى ينضم إلى لوثر في عمله.

ثالثًا: نفسه
وبهذه الطريقة التي تعامل بها يسوع مع مريم ويوحنا كان بأي فرصة يضع نفسه تحت الاضطرار. وهل هو يفترض واجبًا مقدسًا على نفسه؟ والحقيقة نعم. فهذه هي الدلالة الابتدائية للكلمة الثالثة. ويجب ألاّ ننسى أن يسوع، وليس مريم، ولا يوحنا، وليس اللص التائب، ولا الجمع الثائر، هو وحده الشخصية الرئيسة في المنظر كله. وقد نختلف مع كثيرين من المفسرين للكلمة الثالثة من على الصليب أنهم يجعلون مريم الشخصية الرئيسية. إن يسوع هو الشخصية العظمى على هضبة الجلجثة.
وأقلّ ما يمكن أن يُقال عن الكلمة الثالثة ليسوع ودلالتها أن يسوع كان يعلن عن رغبته في تتميم آخر تفاصيل الناموس. فقد قال موسى في الناموس: "أكرم أباك وأمك." إن العقلية الحرفية والعالمية للإنسانية تفسّر ذلك في نطاق الطعام والملبس والمأوى. لذلك نراه يعطي تعليمات إلى يوحنا حتى يمدّ مريم بالطعام والملابس والمأوى كابن يصنع الواجب. وهكذا يقدر يوحنا أن يقدم خدمة يسدّد بها جزءًا من دين المحبة الذي أحبه بها الرب. وحينئذ لا يتمكن أحد من تذكُّر حضور أمّه عند الصليب ويقول إنه أهملها.
وكم كان يسوع حريصًا دائمًا لتجنب رائحة نيران الخطية على ثيابه. لقد أفلس الشيطان من كل سبب عادل لأي اتهامٍ أمام الله. كل كلمة وكل إشارة في الناموس قد أُكملت. وهذا ما يمكن أن يُقال عن دلالة الكلمة الثالثة لنفسه ولكنها ليست آخر الكلمات أهمية.
إن الشيء الأكثر دلالة الذي يمكن أن يُقال عن الكلمة الثالثة للمخلص أنها أوضحها وأسهلها فهمًا.

المجموعة: كتب روحية

logo

دورة مجانية للدروس بالمراسلة

فرصة نادرة تمكنك من دراسة حياة السيد المسيح، ودراسة حياة ورسائل بولس الرسول. عندما تنتهي من هاتين الدراستين تكون قد أكملت دراسة معظم أسفار العهد الجديد. تتألف كل سلسلة من ثلاثين درسًا. تُمنح في نهاية كل منها شهادة خاصة. للمباشرة بالدراسة، أضغط على خانة الاشتراك واملأ البيانات. 

صوت الكرازة بالإنجيل

Voice of Preaching the Gospel
PO Box 15013
Colorado Springs, CO 80935
Email: عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.
Fax & Tel: (719) 574-6075

عدد الزوار حاليا

309 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع

إحصاءات

عدد الزيارات
11616261