Voice of Preaching the Gospel

vopg

كتب روحية

فهرس المقال


الكلمة الرابعة: صرخة من الأعماق

"وَنَحْوَ السَّاعَةِ التَّاسِعَةِ صَرَخَ يَسُوعُ بِصَوْتٍ عَظِيمٍ قَائِلاً: «إِيلِي، إِيلِي، لِمَا شَبَقْتَنِي؟» أَيْ: إِلهِي، إِلهِي، لِمَاذَا تَرَكْتَنِي؟" (متى 46:27)

عندما نطق يسوع بهذه الكلمة الرابعة كانت الأحوال والأحداث قد تغيّرت. كانت الساعة التاسعة حسب توقيت البشير متّى – أي الثالثة بعد الظهر. وخيّمت الظلمة من الساعة السادسة إلى التاسعة على الجلجثة فغطّت هيئة المسيح عن العيون البشرية، فتراجع الساخرون، وخرست ألسنة المتهكّمين، وسيطر على الناس خوف رهيب ملك على قلوبهم. وفي وسط الصمت كانت حشرجة الضحايا وأنّاتهم تقطع الصمت، وهكذا حلّت ساعة سلطان الظلمة والموت، ودخل يسوع حسب النبوات في الظلمة والدينونة.
وعلى حين غرّة مزّقت عنان السماء صرخة خرجت من أعماق يسوع. كانت لغة هذه الصرخة هي اللغة الآرامية، أي لغة طفولة يسوع. قال يسوع بصوت عظيم: "إيلي إيلي..." وفسّر البشير القول: "إلهي إلهي..." ولم أجد بين آراء المفسرين واللاهوتيين ما يشبع. لكنه كان يسوع يكرر بنوع خاص افتتاحية المزمور 22 "إلهي إلهي..." هذا التفسير لا يقوم لأن يسوع تمّم كلمات النبوة عن آلام المسيا.
قال آخرون إنه مات كالشهداء فزلقت هذه الكلمات من شفتيه قسرًا. عتاب رقيق من شدة آلام الجسد – لم يكن يسوع شهيدًا - لأن الفرق بين الشهيد والبديل هو في قول يسوع: "لهذا يحبني الآب، لأني أضع نفسي لآخذها أيضًا. ليس أحد يأخذها مني، بل أضعها أنا من ذاتي. لي سلطان أن أضعها ولي سلطان أن آخذها أيضًا."
درس لوثر هذه الكلمة مدة طويلة وهو صائم ولم يتحرّك من مكانه. ثم قال وهو متعجب ومندهش: "هل ترك الله نفسه؟ من يستطيع أن يفهم ذلك؟ أشعر أنه من المحال أن نصل إلى أعماق هذه الصرخة، ولكي نفهمها، يجب أن ننزل إلى الجحيم بدون خطايانا وعارها. وبذلك نكون كالمسيح فنفهم لماذا صرخ إلى الآب." وحيث أنه محال أن ننزل إلى الجحيم بهذه الصورة لذلك لا يوجد من يفهم دلالة صرخة يسوع، ولا حاجة بنا أن نفهمها أو نختبرها...
إن هذه الصرخة تعلن لنا ثلاثة إعلانات يمكن أن نفهمها وندرسها معًا:

أولاً: ذبيحة المسيح
هذه الصرخة تسلط أفضل نور على تضحية المسيح وبذله من أجل الخطاة. كان يسوع يتألم بشدّة – مع أننا لم نرَ نحن آلام المسيح البدلية عنا – لكن الصرخة كشفت الستار عن كل ما نحتاج أن نعرفه. كشفت الصرخة المسافة التي سارها يسوع للخلاص. بدأ يبحث عن الضال مبتدئًا من العرش، فلبّى حاجة الخطاة حتى وصل إلى درجة ترك الله الآب له، وسار الشوط إلى آخره، إلى الظلمة لكي يحقق هدف التجسد. كان يعرف هدفه ومصيره ولذلك لم يكن الأمر مباغتًا لذلك لم يتحوّل عن الطريق من العرش إلى جحيم الصليب.
تصوّر لنا هذه الصرخة رأس التيس الذي كان يُطرد في البرية رمزًا لخطايا الناس. "ويضع هارون يديه على رأس التيس الحيّ ويقرّ عليه بكل ذنوب بني إسرائيل، وكل سيّئاتهم مع كلّ خطاياهم، ويجعلها على رأس التيس، ويرسله بيد من يلاقيه إلى البرية ليحمل التيس عليه كل ذنوبهم إلى أرض مقفرة، فيطلق التيس في البرية." (لاويين 21:16-22)
هذه هي صورة مخلصنا الذي حمل خطايا العالم وذهب بها إلى أرض مقفرة فتم فيه قصاص ذبيحة الخطية. لا يرى الناس في قصة الخروف الضال أكثر من عودة الراعي ومعه الخروف. لكن أهم نقطة هي النقطة التي وجد فيها الراعي الخروف. في هذه النقطة تشوَّه جسد الراعي حتى صار يدمي... هذه النقطة هي لحظة صراخ يسوع: "إلهي، إلهي!" لقد صوّر الرسول بولس ذبيحة المسيح وبذل نفسه بهذه الكلمات: "الَّذِي إِذْ كَانَ فِي صُورَةِ اللهِ، لَمْ يَحْسِبْ خُلْسَةً أَنْ يَكُونَ مُعَادِلاً ِللهِ لكِنَّهُ أَخْلَى نَفْسَهُ، آخِذًا صُورَةَ عَبْدٍ، صَائِرًا فِي شِبْهِ النَّاسِ. وَإِذْ وُجِدَ فِي الْهَيْئَةِ كَإِنْسَانٍ، وَضَعَ نَفْسَهُ وَأَطَاعَ حَتَّى الْمَوْتَ مَوْتَ الصَّلِيبِ." (فيلبي 6:2-8) وأيضًا جسَّم نفس الحقيقة في قوله: "لأنه جعل الذي لم يعرف خطية، خطية لأجلنا، لنصير نحن برَّ الله فيه." (2كورنثوس 21:5)
يحدثنا علماء البيان أن عبارة "جعل الذي لم يعرف خطية، خطية" هي نوع من الرمزية أو الكناية أو المجاز المرسل. والمعنى ليس أن الله جعله تقدمة خطية بل بديلاً للخطاة، وعلى البديل يقع القصاص لكل الخطايا. "احتمل من الخطاة مقاومة لنفسه." (عبرانيين 3:12)
وجميل أن نفهم ذبيحة المسيح في ضوء القول "احتمل من الخطاة مقاومة لنفسه":
إن الله جعل يسوع الذي لم يعرف خطية، خطية لأجلنا، وجعله كفارة لجميع الخطايا كالفسق، والنجاسة، والشهوة، والعداوة، والغيرة، والحقد، والتحزّب، والانقسامات، والسُّكر، والبغضة... لقد كفّر يسوع عن كل هذه الخطايا فسحقها الله في سحق يسوع على الصليب. ووقف يسوع أمام الآب لكي يشفع فينا ويطهرنا من كل خطية تألّم بسببها.
إنه يوجّه دعوة عريضة لكل الخطاة بقوله: "تعالوا إليّ يا جميع المتعبين والثقيلي الأحمال وأنا أريحكم." الدعوة للعشارين والقتلة والزناة... "من يُقبل إليّ لا أخرجه خارجًا." تحمّل يسوع كل الآلام، وكان يصرخ من أجل حملِ الآلام التي لا نهاية لها. صرخ من أجل القصاص الأبدي الذي سيعاني منه الإنسان. في فترة الصلب القصيرة نال يسوع العقاب الأبدي لجميع الذنوب والخطايا. ولما صرخ يسوع كان جحيمي أنا وجحيمك أنت يلظى سعيرًا وعليه تألم يسوع أقسى الآلام التي لا نهاية لها من أجلي ومن أجلك.

ثانيًا: عذاب الجحيم
حاول الواعظ أن يُفهم الصيادين عن التبرير وعمل المسيح الكفاري على الصليب، فسأل: هل يخبرني أحد ماذا صنع المسيح على الصليب من أجلنا؟ ووقف صياد عجوز وقال: "لقد بادلني... كان بديلي أنا."
في آلام يسوع نرى عذاب الجحيم الذي نزل إليه في الصليب بديلاً عني. آلامه هي الآلام التي كان يجب عليّ أن أتحمّلها أنا في الجحيم إن رفضته أن ينوب عني. إن آلامه وجراحه وصراخه هي إعلانات نبوية للذين ينتظرون ويستمرون في الخطية. فبسبب عذابه، لنا فرصة للهرب من العذاب... إنه يصرخ لكي يحذرنا من عذاب الجحيم الذي ينتظر من يرفض عمله النيابي.
ثم حلت الظلمة فلم يرَ أحد آلام يسوع لكيلا نظن أن هذه الآلام هي كل شيء. هناك ما هو أردأ وأبشع. وعذاب الجحيم له جانبين:
1) الجانب الأول نراه في صراخه: "لماذا؟" لماذا؟ هي لغة ضياع الأمل... لغة القلب المعذّب... ولغة المشاكل المعقّدة... "لماذا؟" هي الكابوس الذي لا نهاية له؟ ولغة من ينادي بلا مجيب. تصرخ والسماء من نحاس. تكرر السؤال: لماذا، ولا صدى؟ لماذا؟ لماذا؟ لماذا؟ إن عذاب الضمير والفكر أقسى من آلام الجسد، والعقلية المضطربة هي ثمرة الخطية. وهكذا يرى علم النفس في الذنب.
2) الجانب الثاني للعذاب في كلمة "تركتني" أو نسيتني – وهي كلمة حزينة مكوّنة من ثلاث كلمات: يترك، وهي أسفل إشارة للهزيمة وعدم القدرة، ثم حرف الجرّ "في"، وهو يشير إلى مكان أو ظرف. إن تركَ شخصٍ معناه حالة من الهزيمة في وسط ظروف مضادة أو معاكسة.
عرف يسوع الترك والنسيان - من عائلته، وبني وطنه من الناصريين، وأمته، حتى أن تلاميذه تركوه عند الصليب – لكنه كان له شركة مع الآب. أما الآن فقد تركه الآب - لقد تراجع نور الشمس – إنه ينكره. ما أبشع أن ينفصل الإنسان عن الله، عن كل خير! لا نور لأنه إله نور، ولا محبة لأنه محبة، ولا حياة لأنه هو الحياة. حرمان من كل شيء إلا الموت واليأس والأسف والضيق... نصرخ ولا مجيب. كل من لم يكن اسمه مكتوبًا في سفر الحياة يُطرح في الظلمة الخارجية حيث النسيان من الله.

ثالثًا: غضب الله
الصليب إعلان محبة الله وهو أيضًا إعلان غضبه. يقول سفر القضاة عن الله: "فحمي غضب الرب." وفي تثنية قال موسى: "لأني فزعت من الغضب والغيظ الذي سخطه الرب عليكم." (تثنية 19:9) ويقول أيضًا في عبرانيين "غيرة نار عتيدة". "لأن غضب الله مُعلن من السماء على جميع فجور الناس وإثمهم..." لقد صبّ الله غضبه على الابن ممثل البشر لأن الخطية دفعته ليحوّل وجهه. "حجبت وجهك فصرت مرتاعًا... إن حجب وجهه فمن يراه؟... لا تحجب وجهك عني."
لما كان يسوع يصارع في البستان جاء إليه ملاك، وفي البرية انتصر. كان الله معه حتى وقف عاريًا أمام العدل الإلهي. لقد حلت الدينونة على الابن الوحيد بدلًا عنا ولم يشفق الله على ابن مسرته الوحيد، ثم حلّت الظلمة حتى تُخفي المنظر لأنه "مخيف هو الوقوع بين يدَي الله الحي!" (عبرانيين 31:10)
في يوم الدين، سيقف كل الخطاة أمام إله غاضب بلا رحمة. "أنت بلا عذر أيها الإنسان."
في قصة لعازر والغني، طلب الغني نقطة ماء من شدة غضب الله عليه في الهاوية.
لم يشفق الله الآب على ابنه يسوع بل بذله من أجلنا أجمعين، ولذلك لا رحمة لمن يرفض نداء المحبة. وسيأتي اليوم الذي سيكون فيه المسيح ديانًا. "الآب لا يدين أحدًا، بل قد أعطى كل الدينونة للابن." "لأنه أقام يومًا هو فيه مزمع أن يدين المسكونة بالعدل، برجلٍ قد عيّنه، مقدّمًا للجميع إيمانًا إذ أقامه من الأموات." إن الذي يدين هو الذي مات وبذل نفسه كفارة عن خطايانا. لقد تحمّل العذاب وقَبِل غضب الله. ماذا قال الناس عندما صرخ يسوع "إلهي، إلهي!"
لقد سخر الجميع منه وقالوا: "إنه ينادي إيليا. لننظر إن كان إيليا يأتي ويخلصه." لقد رفضوا محبته، لكن الله قَبِل اللص الذي قَبل المسيح بالإيمان.
من أجلك صرخ يسوع... فما هو موقفك؟ِ

المجموعة: كتب روحية

logo

دورة مجانية للدروس بالمراسلة

فرصة نادرة تمكنك من دراسة حياة السيد المسيح، ودراسة حياة ورسائل بولس الرسول. عندما تنتهي من هاتين الدراستين تكون قد أكملت دراسة معظم أسفار العهد الجديد. تتألف كل سلسلة من ثلاثين درسًا. تُمنح في نهاية كل منها شهادة خاصة. للمباشرة بالدراسة، أضغط على خانة الاشتراك واملأ البيانات. 

صوت الكرازة بالإنجيل

Voice of Preaching the Gospel
PO Box 15013
Colorado Springs, CO 80935
Email: عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.
Fax & Tel: (719) 574-6075

عدد الزوار حاليا

200 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع

إحصاءات

عدد الزيارات
11578808