Voice of Preaching the Gospel

vopg

كتب روحية

فهرس المقال


الكلمة السابعة: نهاية مرضية

ثم "نادى يسوع بصوت عظيم وقال: [يا أبتاه، في يديك أستودع روحي.] ولما قال هذا أسلم الروح." (لوقا 46:23)

ثلاثةٌ من كلمات المسيح في الجلجثة تقودنا إلى قمة الشركة بين الآب والابن، ولا شك أن هذه الشركة هي أغرب علامة قامت بين الآب والابن، ويبدو الأمر أمامنا كما لو كنا أمام ثلاثة مشاهد:
في المشهد الأول يرفع الابن صلاة إلى الآب من أجل صالبيه: "يا أبتاه اغفر لهم لأنهم... وفي المشهد نرى الابن يتوسَّل إلى العدالة لكي تمسك سهام غضبها عن المذنبين وتحوّلها عليه وحده.
وفي المشهد الثاني يصرخ الابن إلى الآب من الأعماق: "إلهي، إلهي! لماذا تركتني؟" وفي هذا المشهد نرى الابن داميَ الجسد منسيًّا من الآب ويصرخ بألم يشوبه استفهام إلى سماء من نحاس لا تجيب.
أما في المشهد الثالث فنسمع نداء الابن إلى الآب: "يا أبتاه، في يديك أستودع روحي." وفي هذا نجد الابن المنتصر يسلِّم نفسه كلية إلى أبيه.
ترددت هذه الكلمة السابعة على ألسنة كثيرين. قال المرنم في القديم: "في يديك أستودع روحي. فديتني يا رب إله الحق." (مزمور 5:31) وهنا الفرق واضح بين المرنّم والمخلّص. صرخ المرنم كخاطئ يهرع إلى الله من أجل الخلاص، أما صرخة ابن الله فهي لغة المنتصر الذي جاء إلى الآب بالخلاص.
قال "فان تاسل" في العظة على الصليب" الحقيقة الفسيولوجية أن الذي يموت في وضع كوضع يسوع يرفع رأسه في اللحظات الأخيرة. ورفع الرأس في اللحظات الأخيرة هو المجهود الطبيعي لكي يستنشق الأكسجين الذي يملأ رئتيه بالحياة – ولكن القلب يتوقّف عن الضربات فتكون النتيجة الحتمية أن الرأس يسقط بعجز على الصدر – ولكن الصورة التي مات بها يسوع تختلف تمامًا عن الموت الطبيعي عندما يسقط الرأس أو يقع بعجز، لأن يسوع قبل أن يموت نكس رأسه بإرادته – أي حناه إلى الوراء - ومعنى ذلك أنه سلّم روحه عمدًا وهو في كامل وعيه وحسّه.
في هذه الكلمة نرى يسوع النبي والكاهن والملك:

أولاً: يسوع النبي
لكل قول من أقوال يسوع دلالة نبوية، ولكل فعل من أعماله دلالة نبوية. فإن كلماته وأعماله كشفت أحداث المستقبل. التكهن بالمستقبل هو أحد الجوانب النبوية. إن النبي يتحدث بلسان الله سواء كان ذلك فيما يختص بالماضي أو الحاضر أو المستقبل.
لغة الأمان
كان نبي الجلجثة يتحدث بلغة الأمان والضمان عندما قال: "يا أبتاه، في يديك أستودع روحي." لا أمان ما لم نسلّم كل شيء بين يدي الله. إن الصليب هو الظاهرة العظمى على ذلك. الأمان في يد الله هو السلامة التي يتوق إليها قلب كل إنسان فيحتمل اللعنات والصليب والعذاب.
لغة النبوّة
كان نبي الجلجثة يتحدث بلغة النبوّة عندما قال: "يا أبتاه..." هذه هي المرة الأولى التي تكلم فيها بعد أن انتهى من عمله العظيم. إن لغة هذا النبي هي نبرة الابن المطيع الذي سلّم نفسه لله. لغة النبوّة هي كلمة السر لكل أولاد الله. قال كاتب العبرانيين: "مع كونه ابنًا تعلّم الطاعة مما تألّم به." هذه نبوّة تفرّح قلب الآب. كان شعار يسوع: "الصليب من أجل مسرّة قلب الآب." "من أجل السرور الموضوع أمامه، احتمل الصليب." إن كنا نسأل كيف يتصرّف أولاد الله فإن يسوع على الصليب هو الإجابة.
لغة الخدمة
تحدث نبي الجلجثة بلغة الخدمة عندما قال: "يا أبتاه..." وهنا نرى الابن المنتصر يقدّم للآب قوته وما يملك كوديعة بين يديه يفعل بهما كيفما يشاء. قصد يسوع أن يكون أداة تحت أداة الآب وسلطانه، عرف قصد الله في الأزمنة الأزلية. التسليم التطوّعي للنفس بين يدي الآب هو الطريق الوحيد للخدمة والخير. لا خير ما لم نكون بكليتنا وما نملك له. هذا هو طريق النجاح.
قدّم أنبياء العهد القديم عظاتهم ونبوءاتهم بالتمثيل التعبيري:
إرميا حمل النير على عنقه علامة على سبي الشعوب تحت سلطان نبوخذنصر.
حنانيا أخذ النير من على عنق إرميا وكسره.
هوشع أخذ لنفسه امرأة زانية تعبيرًا عن محبة الرب لشعبه وهم متلفتون إلى آلهة أخرى.
وقصد نبي الجلجثة يسوع أن يستخدم الدراما الحية عندما قدّم عظة الصليب. كان الحق واضحًا في هذه العظة لا يقدر أحد أن يتجاهله. كل الخير والتعليم الذي قدّمه يسوع نفهمه في نور عظة الصليب. الجلجثة هي مفتاح الحق الإلهي والمصلوب هو ملك الحق. هذا النبي فيه ضمان لا حدّ له.

ثانيًا: يسوع الكاهن
عندما قال يسوع: "يا أبتاه..." كان كرئيس كهنة في يوم الفصح يقدّم نفسه لله كالذبيحة التي تكفّر عن خطية الإنسان. صليب من خشب هو مذبح يفوق مذبح إبراهيم على جبل المريّا، ويفوق مذبح المحرقة في هيكل سليمان. الجسد على الصليب هو الذبيحة الدموية وصاحب هذا الجسد هو الكاهن الذي يقدّم الذبيحة لله. واستطاع هذا الكاهن أن يحمل ذبيحته بموته التطوّعي إلى قدس الأقداس أمام العرش.
في وقت صلبِ يسوع كانت آلاف الذبائح تقدَّم في الهيكل. وموكب الخدمة في الهيكل رهيب. إذ تُرنَّم مزامير وتعزَف أبواق من الفضة إلى 24 فرقة من الكهنة يتسلّمون آلاف الذبائح التي تُنحر. قاعدة المذبح غارقة بالدماء الحمراء. لقد ذُبحت ملايين الذبائح في آلاف السنين ولم يُكمل العمل. هناك خطايا لا تغسلها الذبيحة مثل خطية العمد والنيّة المبيّتة. وهناك خارج المدينة قدّم رئيس كهنة عظيم نفسه حملاً وذبيحةً وبذلك ختم به عهد الذبائح إلى الأبد. قدّم ابن الله جسده كاملاً بلا عيب ولا دنس. نزف دمًا غاليًا مطهِّرًا. انشقّ حجاب الهيكل من أعلى إلى أسفل. انطلق الله ونزل إلى شعبه ليقول: "هذا يكفي! لا أريد كاهنًا سوى يسوع... لا حاجة إلى دم آخر... دم يسوع يكفي... قد أكمل العمل الكفاري." "يليق بنا رئيس كهنة مثل هذا، قدوس بلا شر ولا دنس، قد انفصل عن الخطاة وصار أعلى من السماوات الذي ليس له اضطرار كل يوم مثل رؤساء الكهنة أن يقدّم ذبائح أولًا عن خطايا نفسه ثم عن خطايا الشعب، لأنه فعل هذا مرة واحدة، إذ قدّم نفسه."
شعر مارتن لوثر بحالة من الفشل ورأى يدًا تكتب أفكاره الشريرة وأفعاله النجسة وخطايا السهو والعمد – السرّيّة والعلنية – وتصوّر لوثر أنه لا نهاية لهذه القائمة المُرّة. وذهب في الصلاة وأحنى رأسه ثم رفع رأسه وقال بغضب: "لقد نسيت شيئًا واحدًا: أيتها اليد، خذي القلم واكتبي: [ودم يسوع المسيح ابنه يطهرنا من كل خطية.]" ولما نطق بدم المسيح اختفت اليد. من يُقبل إلى هذا الكاهن المصلوب لا يُخزى. إن خدمته الكهنوتية هي أنه، من يُقبل إليه لا يخرجه خارجًا.

ثالثًا: يسوع الملك
لم تكن الكلمة السابعة صرخة ضحية منهزمة بل إعلان النصر. ذهب يسوع إلى الصليب كملك اعترف أمام بيلاطس أنه ملك... أدانه اليهود لأنه ملك... دخل أورشليم كملك، حتى أن العلة فوق صليبه تقول: "هذا هو ملك اليهود." كان ملكًا غريبًا يرتدي تاجًا من شوك. الموت كان إعلان المُلك: "قال لي: أنت ابني. أنا اليوم ولدتك. اسألني فأعطيك الأمم ميراثًا لك، وأقاصي الأرض ملكًا لك."
كان هذا الملك على عرش الصليب بلا ضعف أو تردُّدٍ سيّدَ الموقف. أسرع الملك من عذاب الجحيم بلا خوف إلى حضن الآب. لقد صار خطية من أجل البشر رغم أنه لم يعرف خطية ولا وُجد في فمه غش. كان أقوى من سلطان الجحيم فلم يمسكه أو يحتويه، ومعنى ذلك أنه قهر الشيطان. إنه والآب متساويان في القوة والقصد... لا يستطيع سجين الشيطان أن يخاطب الله كآب.
هذا الملك أمر الموت ليكون تحت أمره. أمر الموت أن يحمل روحه وديعة عند الله. كان آدم الأول ضحية الموت. أما آدم الثاني فهو قاهر الموت. هذا الملك حوّل الصليب من علامة عار إلى رمز الخلاص والنصرة. لقد حطّم يسوع الموت الذي من أجله وُجد الصليب.
في جزيرة جامايكا في عام 1938 حدثت جنازة غريبة... الناس تهتف: وضعوا في النعش سوطًا من سياط البيض رمز العبودية. لقد دفنوا رمز العبودية إلى الأبد!
وهذا الذي حدث... أخذ يسوع الموت رمز عبودية العالم للخطية وانتصر عليه إلى الأبد. ودّع كثيرون من القديسين هذا العالم وعلى أفواههم هذه الكلمة، ولكنها كانت بالنسبة لهم صدى الرحمة. أما بالنسبة ليسوع فهي إعلان العدالة. فقد كان موت يسوع يختلف عن غيره لأنه موت النصرة الذي أحضر فيه غنيمته معه. ولم يكن له مزاعم شخصية غير كونه يمثل الخطاة. مات موتهم بديلاً عنهم طوعًا واختيارًا. "لأني أضع نفسي لآخذها أيضًا. ليس أحد يأخذها مني، بل أضعها أنا من ذاتي. لي سلطان أن أضعها ولي سلطان أن آخذها أيضًا." (يوحنا 17:10-18)
مات يسوع وصلاة على شفتيه: "يا أبتاه، في يديك أستودع روحي." وهي نفس كلمات المزمور 5:31 مضيفًا إليها كلمة "يا أبتاه". وكان ذلك العدد من المزمور هو الصلاة المسائية التي كانت الأمهات العبرانيات تصليها مع أولادها قبل النوم. وهكذا كان الطفل العبري يقول كلما حلّ المساء وقبل النوم: "في يديك أستودع روحي." واستعار يسوع هذه الكلمات كي يجعل منها معنى جميلاً عندما قال: "يا أبتاه". مات يسوع على الصليب وهو أشبه بطفل صغير تأخذه سنة من النوم بين يدي أبيه.

 

المجموعة: كتب روحية

logo

دورة مجانية للدروس بالمراسلة

فرصة نادرة تمكنك من دراسة حياة السيد المسيح، ودراسة حياة ورسائل بولس الرسول. عندما تنتهي من هاتين الدراستين تكون قد أكملت دراسة معظم أسفار العهد الجديد. تتألف كل سلسلة من ثلاثين درسًا. تُمنح في نهاية كل منها شهادة خاصة. للمباشرة بالدراسة، أضغط على خانة الاشتراك واملأ البيانات. 

صوت الكرازة بالإنجيل

Voice of Preaching the Gospel
PO Box 15013
Colorado Springs, CO 80935
Email: عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.
Fax & Tel: (719) 574-6075

عدد الزوار حاليا

108 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع

إحصاءات

عدد الزيارات
11579401